لا يمكن الحكم على مبدأ بسبب ممارسات خاطئة. إن الحكم النيابي أهم النظريات في الفكر السياسي، ومبدأ أقرته الشريعة الإسلامية السمحاء. «وأمرهم شورى بينهم» هو شكل من أشكال التمثيل البرلماني. حقيقة، إن ما يرد على ذكره بعض أفراد المجتمعات العربية وبعض كتاب المقالات والتشكيك في حق وسعي الشعوب لنيل حرياتها من خلال المطالبات بنظم سياسية أكثر شفافية وعدالة، لا يتوافق مع مستوجبات المرحلة الجديدة للدول العربية. هذا التشكيك الذي ورد أيضا في صحافتنا المحلية في كتابات لأكثر من كاتب، تعليقا على بعض الأحداث في الدول العربية الشقيقة، بعض هذه الآراء والتعليقات يسير في اتجاه يخالف تطلعات شعوب هذه الدول، إنه أمر مؤسف.
البعض يستشهد بالآية أعلاه ليشكك ويطعن في نظام الحكم النيابي، والآية الكريمة هي جوهر الفكر المناقض لحكم الفرد. وللقياس، هل يمكن الإصرار على تربية الخيل لخوض حروب اليوم، استنادا إلى الآية الكريمة «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل»؟ قطعا لا، ولكن لا بد من استنباط المعنى الحقيقي للآيتين الكريمتين.
إن الحراك السياسي الذي يشهده الوطن العربي، مع تفاوت درجاته، تطور طبيعي في مسار التنمية السياسية، لكن الأزمة الحقيقية تتمثل في من يحاول أن يضع العصا في عجلة التغيير، ومن يحاول أن ينسف العجلة برمتها. هناك إشكالية في طرح المقارنات، فالبعض لا يصل بنظره أبعد من تجربة دولة خليجية شقيقة، ليضرب بها مثلا في الديمقراطية وكأنها المعيار القياسي في النظام النيابي. لا تخلو التجارب الإنسانية والنظم الوضعية من السقطات، والمفسدون متواجدون في كل البيئات، فعالمنا بعيد عن الطوباوية، ولكن السعي نحو الأفضل هو الخيار المنطقي السليم.
هناك من بلغ بهم اليأس مبلغ تمني عودة دكتاتور، وقول إن الشعب الفلاني لا يصلح أن يحكمه سوى طاغية، وهناك من يكتب في فلك هذا التصور. وهناك من يرى بعين مصلحته، ويشيد مثلا بنظام سابق لأنه يوفر الاستقرار، لأنه من أصحاب المال، وكما يقال «رأس المال خواف»، ولكن التاجر لا يعرف ثمن هذا الاستقرار الذي كان يدفعه الشرفاء من أبناء ذلك البلد. لماذا لا يطرح أصحاب القلم والفكر تصورات لكيفية أن تنهض الدول العربية وتكرر قصة نجاح اليابان في الشرق الأوسط؟
إن التجربة البرلمانية في بعض الدول العربية ليست مقياسا لدول المنطقة، كما أن فكرة استيراد ديمقراطية غربية أمر غير مرغوب فيه، وكذلك الحال بالنسبة للتجارب البرلمانية العربية التي لم ترْقَ إلى مستوى التطلعات، مع التقدير لها. هناك العديد من الدول الديمقراطية المتميزة المتوازنة في العمل السياسي والتنمية الاقتصادية، فلا يصح أبدا الربط الدائم بين تضارب عمل المجالس التشريعية والنمو الاقتصادي، واليابان وألمانيا خير مثالين على ذلك.
أما في ما يخص الشأن المحلي، فقد شهدت الساحة المحلية مؤخرا نقاشا حول دور المجلس الوطني الاتحادي، مع اقتراب الانتخابات المقررة في سبتمبر المقبل. المثير للانتباه هو محاولات البعض إضفاء السلبية على أداء المجلس، وكذلك بعض الأعضاء المنتخبين. وطرحت أفكار فضلت المجالس المحلية على المجلس الاتحادي، وهناك من يسعى للترويج لفئة من الشعب ـ يطلقون على أنفسهم المتنورين ـ ليكونوا أصحاب الحل والعقد والحظوة.
البعض يريد أن يقتصر العمل السياسي على فئة نخبوية، وهي إحدى النظريات السياسية التي عفى عليها الدهر.. حري بوسائل الإعلام المحلية والكتاب، المساهمة في تسليط الضوء على العملية الانتخابية المقبلة، ومناقشة قواعد الترشيح والطعون وضوابط الحملات الانتخابية، لتوعية أفراد المجتمع والتعريف بدستور الدولة وصلاحيات المجلس ونظامه. على سبيل المثال؛ لماذا لا تتم مناقشة فترة الطعون المحددة بـ48 ساعة فقط وهل هي كافية؟ وشرط دفع 3000 درهم كفالة لتقديم الطعن أو ألف درهم للترشح؟
الإمارات لها خصوصيتها وتجربتها الوحدوية والتنموية الفريدة في الوطن العربي، كما أن التجربة الديمقراطية في الإمارات لها مسيرتها منذ قيام الاتحاد. إن المجلس الوطني الاتحادي كان ولا يزال حاضرا ومساهما في المراحل المختلفة من تطور الإمارات، والتركيبة السياسية لدولتنا ساهمت إيجابا في دفع البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة. ومن أهم ما ساهم في تميز الإمارات عن باقي الدول العربية، هو عملية صنع القرار التي لم تكن فردية، فدستور الدولة وزع السلطات إلى خمس.
أولاها المجلس الأعلى للاتحاد، ثم رئيس الدولة ونائبه، ومجلس الوزراء، والمجلس الوطني والقضاء الاتحادي. كما أن سياسات الأبواب المفتوحة لحكام الإمارات ودواوينهم ومجالسهم، وزياراتهم الميدانية والتواصل المباشر مع المواطنين، ساهمت بطريقة ما في عملية صنع القرار. هذه الخصائص من الضروري الحفاظ عليها، من خلال تأطيرها ضمن هيكلية مؤسسية تتمثل في المجلس الوطني الاتحادي، لترسيخها وتعزيزها لمواكبة تنامي الدولة.
إن التشكيك في فعالية المجلس الوطني وجهود الحكومة في تحقيق رؤية سيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والتي أعرب عنها في خطاب التمكين سنة 2005، لا يساهم في عملية التنمية السياسية في إماراتنا. ولذلك لا بد أن يعمل الجميع مع قيادتنا الرشيدة لتحقيق المزيد من الإنجازات، من خلال خطوات متأنية وثابتة.
فليس من المجدي التشكيك في جدوى العمل البرلماني ونزاهة البرلمانيين، والنظرة المتشائمة ليس لها مكان في مسيرتنا، ومن المهم أن نتطلع لأفضل التجارب في العالم، وليس في محيطنا الضيق فقط، لنرسم مستقبلا مشرقا لدولتنا الغالية. إن حكومة الإمارات تسعى إلى التميز في مختلف الميادين، وتتطلع إلى أفضل المعايير وتخط نهجها الخاص لما فيه خير البلاد.
إن الآباء المؤسسين لاتحادنا طيب الله ثراهم، تعهدوا منذ قيام الاتحاد ومن خلال دستور الدولة، بـ»السير به قدما نحو حكم ديمقراطي نيابي متكامل الأركان في مجتمع عربي وإسلامي متحرر من الخوف والقلق»، كما نص الدستور.