جورجيا جمهورية صغيرة من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق تقع جنوب روسيا في منطقة جنوب جبال القوقاز، ولا تزيد مساحتها عن 70 ألف كيلو متر مربع، ويقل تعداد سكانها عن أربعة ونصف ملايين نسمة، ويعتمد اقتصادها كليا على الزراعة وتصدير الخمور والمياه المعدنية، وتعتمد في دخلها القومي اعتمادا كبيرا على ما يقرب من مليارين من الدولارات من تحويلات مواطنيها الذين يعملون في السوق الروسية التي تستقبل أكثر من سبعين في المائة من الصادرات الخارجية لجورجيا، ورغم هذا تم اختيار جورجيا من قبل جهات معينة لجعلها بؤرة قلق وتوتر دائم لروسيا.

وكان آخر حلقات هذا التوتر في أغسطس عام 2008 عندما هاجمت القوات الجورجية مدينة تسخينفالي في جمهورية أوسيتيا الجنوبية الصغيرة المجاورة، والمستقلة عن جورجيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي هي وجارتها أبخازيا، والمحميتان بقوات روسية دولية بموجب قرار من منظمة الدول المستقلة معتمد من الأمم المتحدة، وقتلت القوات الجورجية في هجمتها أكثر من ألف شخص من مواطني أوسيتيا الجنوبية من النساء والأطفال والشيوخ.

وتدخلت القوات الروسية ودحرت القوات الجورجية وطاردتها داخل أراضيها، وهنا هب الكثيرون في الغرب يتهمون روسيا بالغزو العسكري لجورجيا، وكأن العالم لم ير القوات الجورجية وهي تهاجم جمهورية أوسيتيا الجنوبية وتقتل النساء والأطفال هناك. آنذاك ادعى رئيس جورجيا ميخائيل ساكاشفيلي أن روسيا أعلنت الحرب على بلاده وأنها تسعى لاحتلال جورجيا، وأنكر هجومه على أوسيتيا واتهم روسيا بأنها هي التي بدأت الحرب على قواته داخل أراضي جورجيا، ورغم الكذب الواضح والفاضح إلا أن دوائر معينة في الغرب.

وخاصة في لندن وواشنطن صدقت ساكاشفيلي ووجهت اتهامات مباشرة لروسيا بالهجوم على دولة مجاورة واحتلال أراضيها، هذا رغم أن الأوروبيين، وخاصة الفرنسيين والألمان، أدانوا ساكاشفيلي واعتبروه معتديا على جيرانه ورفضوا إلحاح واشنطن للموافقة على انضمام جورجيا لعضوية حلف الناتو، وأرجؤوه حتى تنتهي مشاكل جورجيا مع روسيا. رغم هذا مازال ساكاشفيلي يهاجم روسيا في تصريحاته وفي تصرفاته التي على ما يبدو أن وراءها جهات تحثه عليها.

خاصة وأن الكثيرين نصحوه بالتصالح مع روسيا من أجل مصالح بلده وشعبه، وعلى رأسهم زعماء وقادة أوروبيون، وكان اخر الناصحين له الشهر الماضي رئيس جورجيا السابق إدوارد شيفرنادزه الذي قاد ساكاشفيلي الانقلاب ضده عام 2003، هذا الانقلاب الذي دعمته واشنطن علنا وأطلق عليه اسم «الثورة الوردية». زعيمة المعارضة الجورجية «نينو بورجاندزة» رئيسة البرلمان السابق وزعيمة الثورة الوردية بجوار ساكاشفيلي، والتي انقلبت عليه بعد الحرب مع روسيا وتقود المعارضة لعزله.

تقول نينو بورجانادزه انها في عام 2008 حذرت ميخائيل ساكاشفيلي من مغبة مهاجمة إقليم تتواجد فيه قوات حفظ سلام روسية لكنه عمل بنصيحة مستشاريه الذين دفعوه إلى الحرب، وكشفت زعيمة المعارضة الجورجية في منتصف يوليو الجاري في حوار مع إحدى المحطات الإذاعية الروسية عن أن ساكاشفيلي كاذب، وأنه هو الذي بدأ الحرب، وأنها حذرته من أن روسيا لن تسكت وستهاجم القوات الجورجية التي لا طاقة لها بمواجهة القوات الروسية.

وقالت لساكاشفيلي إن لا أحد في العالم تمكّن من دحر الجيش الروسي من قبل، وأنه مقدم على مغامرة انتحارية فاشلة، وقالت بورجانادزه إن ساكاشفيلي رفض نصيحتها واتبع مستشاريه الذين زعموا أن دبابات الجيش الروسي متقادمة وأن الجيش الجورجي سوف يدحر القوات الروسية في ليلة واحدة، وكانت الهزيمة المخزية لساكاشفيلي الذي صورته وسائل الإعلام العالمية وهو يهرول ويختبئ بين أقدام رجاله خوفا من الطائرات الروسية التي كانت تحلق فوقه.رغم كل هذا لم يتعلم ساكاشفيلي الدرس ولم يتعظ من الماضي.

ومازال مصمما على التحرش بروسيا ومضايقتها على حدودها، وبالقطع أنه لا مصلحة إطلاقا لجورجيا في ذلك، لكنها مصالح خاصة لساكاشفيلي ومن معه الذين ينفذون أوامر جهات معينة في الغرب توجههم للتحرش بروسيا، وتمدهم بالسلاح، وتدفعهم لخلق القلاقل والتوترات في منطقة القوقاز جنوب روسيا، وقد صرح مدير هيئة الأمن الفدرالية الروسية الكسندر بورتنيكوف للصحافيين يوم 7 يوليو تعليقا على الأخبار الزاعمة بأن مجموعة خارجة عن القانون كان بإمكانها أن تتسلل إلى شمال القوقاز من وادي بانكيسي الجورجية.

قال انه «تتوفر لدينا معلومات عملياتية تفيد ان زعماء العصابات الموجودين في أراضي البلدان الأخرى يخططون للتسلل إلى شمال القوقاز عبر الأراضي الجورجية»، وهذا يعني أن ساكاشفيلي قرر أن يدعم المتمردين في شمال القوقاز ضد روسيا، وهذا القرار لا يمكن أن يتخذه هو من تلقاء نفسه.

ولا يمكن أن يوافق عليه البرلمان أو الحكومة الجورجية، لكنه سيفعل ذلك بشكل سري سيجر عليه وعلى جورجيا مصائب جمة وثقيلة، لأن روسيا لن تسكت على هذا الأمر وستواجهه برد قاس وعنيف، وسيدفع ساكاشفيلي ثمن مغامراته الطائشة وطاعته لسادته في الغرب غاليا للغاية.