بعد مرور عشرة أعوام على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، يبدو العالم وكأن شيئاً لم يتغير، هذا على الرغم من أن الظروف والأحوال التي تشهدها الساحة الدولية، تختلف كثيراً عما كانت عليه منذ عشر سنوات، خاصة في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية.

والتي تهدد، حسب رأي الغالبية من الخبراء الدوليين، بانهيار الاقتصاد العالمي والدخول في حالة من الفوضى في عدة دول كبيرة، خاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى، هذه الدول التي تسببت سياساتها المالية والاقتصادية في وقوع الأزمة العالمية الحالية، بينما هي في واد آخر تواصل سياساتها العدوانية تجاه الدول الأخرى.

وتبذل قصارى جهودها من أجل استصدار القرارات الدولية للهجوم على دول ولفرض عقوبات على دول أخرى، وتخلق عداءات مع الكثير من الدول دون مبررات مقنعة. العالم كله يعاني من الأزمة المالية العالمية ويبحث عن حلول لها، وتعقد المؤتمرات واللقاءات الدولية لتناقش هذه القضية العالمية.

ويجتمع ممثلو أكثر من ثلاثين دولة في روسيا منذ أيام، في لقاء دولي لمناقشة كيفية التنسيق والتعاون بينهم لمواجهة الأزمات الاقتصادية، وكم من اللقاءات الشبيهة عقد على المستويات الإقليمية والدولية لمناقشة هذه القضايا التي تهم البشرية، بينما الولايات المتحدة التي انطلقت منها الأزمة المالية العالمية.

والتي تعاني من الأزمة أكثر من غيرها، مشغولة بحملاتها العسكرية هنا وهناك، ومستمرة في إطلاق التهديدات والتحذيرات، وتدبير المؤامرات وتهديد الأنظمة الحاكمة، وحشد حلفائها في حلف الناتو للهجوم على دول صغيرة في آسيا وإفريقيا.

هذا هو المشهد العام الذي نراه على الساحة الدولية منذ وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر حتى الآن، ولا تبدو في الأفق نهاية لهذا المشهد المأساوي، وما زالت مقولة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن الشهيرة "من ليس معنا فهو عدونا" تتردد على ألسنة الساسة الأميركيين. وحتى روسيا، التي أبدت كامل استعدادها للتقارب مع الولايات المتحدة.

وقدمت الكثير لواشنطن على المستوى الدولي والثنائي، وخاصة منذ وصول الرئيس باراك أوباما للحكم، ما زالت تعاملها واشنطن على أنها عدو، وقد سمعنا وزير الدفاع الأميركي الجديد ليون بانيتا منذ أيام، يصرح بحديث ممتلئ بهذه السياسة العدوانية ولغة التهديد السائدة منذ أحداث 11سبتمبر. فقد صرح بانيتا لإذاعة "بي بي أس" الأميركية يوم الأربعاء 7 سبتمبر، بأن روسيا كانت وما زالت تمثل تحدياً وتهديداً للولايات المتحدة الأميركية.

ورغم أن بانيتا ذكر في حديثه أن واشنطن تخوض حروبا في أفغانستان والعراق وليبيا، إلا أنه لم يتحرج من أن يتهم روسيا بأنها تدفع لزعزعة الاستقرار العالمي، وتمادى في تصريحاته العدائية ليقول بأن دولا مثل الصين والهند والبرازيل، تمثل تحدياً للولايات المتحدة وتعمل مثل روسيا على زعزعة الأمن والاستقرار في العالم!

المشكلة بين الولايات المتحدة والعالم كله، تتمثل في اختلاف المفاهيم، فما يتصوره العالم اضطرابات وفوضى ودمارا وخرابا، تعتبره واشنطن استقرارا عالميا، باعتبار أن السياسة الأميركية لا تستطيع أن تتحقق إلا في ظل هذا المناخ من الفوضى والحروب والاضطرابات في مختلف أنحاء العالم، ولا يروق لها أن تترك الدول الأخرى وشأنها ومشاكلها الداخلية، بل تتدخل بمختلف الوسائل.

ولو بالقوة، في مشاكل وأحوال الدول الأخرى، وهذا هو النهج السائد منذ أحداث 11 سبتمبر حتى الآن. لقد وضعت واشنطن وحلفاؤها مفهوما خاصا للإرهاب يتفق مع سياساتهم، وتركت من اعتدى عليها في 11 سبتمبر، وذهبت تدرج تحت مفهوم الإرهاب دولا عديدة وأنظمة حكم قائمة، ومنظمات مقاومة تكافح من أجل استقلال وحرية أوطانها.

إن من ينظر للأحوال الداخلية في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الغرب الصناعية الكبرى، يصاب بالدهشة تجاه هذه الدول التي تهددها الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية بكوارث وانفجارات شعبية أكبر من تلك التي تراها الدول العربية، وتترك حكومات هذه الدول كل هذه التهديدات وتذهب بجيوشها لتشن الحرب على دول صغيرة ضعيفة تحت شعارات كاذبة وغير مقبولة.

وفي نفس الوقت تتهم هذه الدول المعتدية، الدول الأخرى التي ترفض مشاركتها أو تأييدها في اعتداءاتها، باتهامات باطلة، مثلما يتهمون روسيا والصين بأنهما تحميان وتدعمان الأنظمة الحاكمة المستبدة ضد شعوبها المقهورة، بينما العالم كله يعلم أن هذه الأنظمة التي يصفونها الآن بالمستبدة والقمعية، كانت بالأمس القريب أصدقاء حميمين ومقربين لهم.

إنهم الآن يخشون القذافي أشد الخشية، ولا يخشون قوته بل يخشون لسانه، لأنه لو تحدث عن علاقاته بهم قبل اندلاع الثورة الشعبية ضده، فسوف يفضح كذبهم ونفاقهم وألاعيبهم المكشوفة. ويبدو أن هذه السياسة الغربية المزدوجة، لن تنتهي إلا بالضربة القاضية التي ستوجهها الأزمة الاقتصادية العالمية لهذه الدول.