من هم الرابحون ومن هم الخاسرون في الاضطرابات الهائلة والآخذة في التطور في منطقة الشرق الأوسط؟ بالنسبة لمواطني العالم العربي، فإن الطريق إلى الأمام ربما لا يزال وعراً ولا سبيل للتنبؤ بمنعطفاته، ولكن الأحداث تشكل مكسباً نهائياً كبيراً، يتمثل في الانفصال عن الأنظمة القديمة الجامدة والعقيمة والساحقة.

ولكن مع انهيار نظام الشرق الأوسط القديم على الصعيد الدولي، من يربح ومن يخسر؟

الخاسر الأكبر الأول، بلا شك، هو إسرائيل. فالعديد من الحكام العرب القدامى المستبدين، الذين يحصلون على الدعم المادي والسياسي من أميركا لإبقاء المنطقة تحت السيطرة، آخذون في السقوط الآن، والمزيد منهم سيسقط مع مرور الوقت. ولم يعد في وسع إسرائيل أن تتوقع الحصول على مكاسب سهلة، في سعيها وراء سياساتها التي تهدف إلى استمرار الاحتلال إلى أجل غير مسمى. وبالتأكيد، فإنه في حال سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، فإن شخصية قيادية معادية لإسرائيل ستختفي.

 غير أن تاريخ سوريا لا يقدم أدنى سبب للاعتقاد بأن نظاماً قومياً جديداً في دمشق، يحظى بدعم من عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، سوف ينظر إلى إسرائيل بقدر من التساهل، أكبر من ذلك الذي كان يبديه الأسد. وفي الواقع، فإن ظهور القوى الشعبية في أي دولة عربية تقريباً، يضمن سياسات أكثر صرامة تجاه إسرائيل، تحتج على إبقائها على الوضع الفلسطيني الراهن، الذي يمثل الرمز البارز للظلم في نظر المسلمين كافة.

ولكن هذا لا يعني أن الانتشار البطيء للأنظمة الديمقراطية قد لا يصب في صالح إسرائيل في المستقبل البعيد، لكنه لن يصب في صالحها إلا إذا ابتعدت بشكل حاد عن سياساتها اليمينية المتطرفة، وعن سياسة التمييز العنصري، واتجهت نحو نظام اجتماعي وسياسي أكثر سخاءً وانفتاحاً، يعمل على تحرير الفلسطينيين. ولا شيء من هذا القبيل يلوح في الأفق السياسي الإسرائيلي، ولو من بعيد، في الوقت الراهن.

والخاسر الأكبر الثاني هو الولايات المتحدة. والأسباب في ذلك بسيطة، فقد أصبح إمساك واشنطن بزمام الأمور أكثر صعوبة من أي وقت مضى، في الوقت الذي تكتسب الشعوب العربية صلاحيات تمكنها من انتخاب قادتها. والآن، تعكس الآراء الشعبية عقوداً، بل قروناً، من الغضب والإحباط إزاء السيطرة الاستعمارية الغربية، التي يتصدرها الآن عقد من الحروب الأميركية على الأراضي الإسلامية، في إطار حملة بحث وهمية عن حل عسكري للإرهاب المعادي للغرب، ولن تبادر الجماهير العربية في المدى القريب إلى انتخاب قادة موالين لأميركا.

وفي حقيقة الأمر، فإن الإسلاميين هم المستفيدون الأكثر ترجيحاً من هذا التغيير، جنباً إلى جنب مع القوميين. وعلاوة على ذلك، فإن أميركا ينظر إليها باعتبارها قوة متداعية، مع قدرة متضائلة على السيطرة على الأحداث.

وكما هي الحال بالنسبة لإسرائيل، فإنه لن تكون هناك أي أخبار سارة بالنسبة لوضع الولايات المتحدة في العالم العربي المتغير، إلا إذا تخلت واشنطن عن محاولاتها المستمرة للتدخل من أجل صياغة الأحداث الإقليمية والسياسة المحلية على النحو الذي يرضيها، وخلافاً لرغبات معظم المواطنين في المنطقة. وفي الحقيقة، فإذا كان هناك أي نموذج يحتذى به في المنطقة، فإنه تركيا الآن، التي تحقق نجاحاً باهراً في المجالات الاقتصادية والسياسية، والتي تبدي استعداداً للتحدث بقدر أكبر من الصراحة والمسؤولية والمصداقية، حول إخفاقات إسرائيل، وإخفاقات واشنطن.

فمن هم الرابحون؟ إنهم بالتأكيد الشعب العربي، على الرغم من أن ثمار الأنظمة السياسية الجديدة لن تكون موزعة بالتساوي، والسبيل قد يكون وعراً للغاية، بينما يقوم العرب بانتهاز فرصتهم الأولى لتعلم كيفية ممارسة نوع من سيادة الحكم الذاتي.

ولكن يتعين عليهم أن يقوموا بذلك بأنفسهم، إذ إن آخر شيء يحتاجون إليه، هو المزيد من الأنظمة الجديدة المفروضة عليهم من جانب القوى الغربية، التي تسعى لتحقيق مصالح خارجية ضيقة.

وتتمثل المجموعة الثانية من الفائزين، في القوى المتوسطة الناشئة حديثاً، أي دول مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل وتركيا وكندا، وغيرها من أعضاء مجموعة العشرين، التي تجد نفسها الآن في عالم متعدد الأقطاب نشأ حديثاً، مع مساحة جديدة للعب في مباراة دولية لتوازن القوى أكثر تعقيداً بكثير. وفي حين ستكون الولايات المتحدة الخاسر النهائي هنا، من حيث فقدان قوة الهيمنة المطلقة، فإن الضوابط والتوازنات، بالتأكيد، لن تكون أقل ضرورة على المستوى الدولي منها على المستوى الداخلي.

أوروبا كذلك، يمكنها أن تجد لنفسها أدواراً هادفة ومسؤولة، ضمن حدود هذا النظام العالمي الجديد، ولكن ذلك لن يتحقق إذا استمرت في النظر بلهفة إلى حلف شمال الأطلسي، على أنه يشكل وسيلة جديدة وأكثر دهاءً، لفرض مشاريع غربية على الشرق الأوسط.