كان السؤال الأكثر طرحاً في الأيام التي تلت إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الجزائرية، يتعلق بما إذا كانت ستحقق مطالب الجزائريين الخاصة بالانضمام إلى الربيع الديمقراطي العربي، وكانت الإجابات في معظمها تشاؤمية، نظرا إلى أن النتائج لم تحدث أي تغيير في الخريطة السياسية الراهنة في الجزائر.

والحاصل أن هناك نظرتين إلى هذه الانتخابات، في ما يتعلق بعلاقتها بعملية الإصلاح السياسي التي يمكن أن تدخل الجزائر إلى الربيع الديمقراطي من عدمه. وهاتان النظرتان تعتمدان على موقف السلطة التنفيذية، ممثلة في الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والأغلبية البرلمانية المتحالفة معه، ممثلة في الحزبين الحاصلين على المواقع الأولى في نتائج الانتخابات، وهما جبهة التحرير الوطني والتجمع الديمقراطي.

النظرة الأولى متشائمة وتعتمد على ارتكان السلطات الجزائرية، ممثلة في الرئيس والحزبين المشار إليهما، إلى النتائج الباهرة التي حققوها في الانتخابات، واعتبارها ما حدث تجديدا لثقة الشعب بالحزبين وبالرئيس الذي يدعمهما، وفي هذه الحالة يتم التراجع عن الوعود التي قدمت باعتماد إصلاحات جذرية عقب الانتخابات، بأن يشرف البرلمان المنتخب على تعديلات دستورية تحد من سلطات رئيس الجمهورية، وتحدد مدد رئاسته بمدتين فقط، وتوسع من سلطات البرلمان، بما يعطي للحزب الحاصل على العدد الأكبر من مقاعده، الحق في تشكيل الحكومة.

فإن تعاملت السلطة مع الانتخابات وفقا لهذه النظرة التشاؤمية، فإنها ستفتح المجال أمام احتقان سياسي يمكن أن يدفع أطرافا وقوى اجتماعية وسياسية إلى البحث عن طريق التغيير الثوري، كما حدث في دول أخرى في المنطقة.

وأحد الآثار المهمة للنظرة الاستعلائية من السلطة لنتائج الانتخابات، هو أنها ستعطي شرعية للقوى التي طالبت بمقاطعة الانتخابات والبحث عن أسلوب للإصلاح يختلف عن الأسلوب الذي وعدت به السلطة، وهذه القوى تتنوع من اليمين الديني ممثلا في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي طالب زعيماها التاريخيان عباسي مدني وعلي بلحاج الجزائريين بمقاطعة الانتخابات، إلى اليسار العلماني ممثلا في حزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، الذي اتخذ قرارا بمقاطعة الانتخابات وطالب الشعب الجزائري بالامتناع عن التصويت فيها.

وفي أعقاب الانتخابات اتخذ «تجمع العدالة والتنمية» الذي يتزعمه عبدالله جاب الله، وهو زعيم إسلامي تقليدي ومهم، موقفا مناوئا للنتائج، وقال إنه يمكن أن يسعى إلى الإصلاح على الطريقة التونسية؛ أي الثورة.

والنظرة التشاؤمية لنتائج الانتخابات، لا تقوم فقط على تجاهل السلطة لمطالب الإصلاح السياسي، الذي يبدأ بتعديل الدستور، وإنما أيضا أن تقوم السلطة بهذه الإجراءات، ولكن من دون أن تحدث أي تغييرات هيكلية في بنية النظام السياسي، كأن يستمر النظام رئاسيا تهيمن فيه مؤسسة الرئاسة على كافة المؤسسات الأخرى، سواء أكانت تشريعية أم تنفيذية، وأن تظل مدد الرئاسة مفتوحة، وليست مقيدة زمنيا كما كانت قبل التعديلات التي أدخلت من أجل التمديد للرئيس بوتفليقة لولاية ثالثة.

والذي يؤكد هيمنة مؤسسة الرئاسة، هو أن البرلمان الجزائري لم يصدر في السنة الماضية أي تشريعات أو قوانين، وإنما صدرت كلها، وعددها 36 قانونا جديدا، كمراسيم عن رئيس الجمهورية، وكانت في فترة إجازة البرلمان. أي أن المؤسسة الرئاسية مهيمنة على السلطة التشريعية. وبالطبع فإن هذا الوضع لا بد من تغييره، إذا كانت الجزائر تريد أن تدخل في عملية الإصلاح السياسي.

أما النظرة المتفائلة لنتائج الانتخابات، فهي تقوم على وعي الأحزاب الفائزة ومؤسسة الرئاسة بضرورة الإصلاح، وأنها إن لم تتول بنفسها الإشراف على هذه العملية، فإنها سوف تضطر لذلك خلال المستقبل القريب.

وفي هذه الحالة تكون السلطة أكثر هدوءا وهي تجري عمليات الإصلاح، بعد أن زال الخوف الذي انتاب النخبة السياسية الجزائرية في مرحلة ما قبل الانتخابات، من أن تحصل الأحزاب الإسلامية على الأغلبية، بما يجعلها تتحكم في عملية التعديلات الدستورية، وتجري الإصلاحات السياسية بما يحقق مصالحها ويضمن هيمنتها على النظام السياسي لفترة طويلة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجزائر قد شهدت في ربيع عام 2011، محاولات للتظاهر بهدف تغيير النظام، ولكنها لم تكن ناجحة.

ويرجع عدم نجاحها إلى عدة أسباب، في مقدمتها أن السلطات وعدت بإجراء إصلاحات وإحداث تغيير شامل، عبر تعديل دستوري يتم بعد الانتخابات التشريعية، وأجرت بالفعل تعديلات على قوانين الأحزاب والإعلام والانتخابات، وبالتالي فإن الجماهير ما زالت تتوقع البدء في عمليات إصلاح شامل، وإذا لم يحدث ذلك فإن الاحتقان سيتصاعد أكثر. والمفترض أن سلطة بحنكة وتجارب السلطة الجزائرية، تدرك ذلك وستعمل على تفاديه.

وحسب سلوك السلطة في الفترة القليلة المقبلة، سيتضح ما إذا كانت النظرة المتفائلة هي الراجحة، أم أن الأخرى المتشائمة ستكون هي المهيمنة على الواقع الجزائري المفتوح على سيناريوهات عديدة.