يقول العلامة علي الوردي في كتابه الموسوم: "دراسة في طبيعة المجتمع العراقي"، إن فقيهاً بغدادياً مشهوراً هو الشيخ نعمان بن أبي الثناء الألوسي، قد وضع مؤلفاً في عام 1897 بعنوان: "الإصابة في منع النساء من الكتابة"، جاء في الصفحة 347 منه ما يلي: "فأما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله منه، إذ لا أرى شيئاً أضر منه بهن. فإنهن لما كن مجبولات على الغدر، كان حصولهن على الملكة من أعظم وسائل الشر والفساد.

 وأما الكتابة فأول ما تقدر المرأة على تأليف كلام بها، فإنه يكون رسالة إلى زيد، ورقعة إلى عمرو، وبيتاً من الشعر إلى عزب، وشيئاً آخر إلى رجل آخر. فمثل النساء والكتب والكتابة ـ والحكم هنا لأبي الثناء الألوسي ـ كمثل شرير سفيه تهدي إليه سيفاً، أو سكير تعطيه زجاجة خمر. فاللبيب من الرجال هو من ترك زوجته في حالة من الجهل والعمى، فهو أصلح لهن وأنفع"!

ليس غريباً موقف الشيخ الألوسي في ذاك الزمان، فإن جمهرة الفقهاء عموماً كانوا يقفون ضد كل جديد أو مستحدث. يتذكر العلامة الوردي في كتاب آخر مشهور له، بعنوان: "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق"، المجلد السادس صفحة 363، تلك الأيام فيقول: "إني أدركت في صباي أناساً في العراق يحرمون قراءة الجريدة ودخول المدرسة وتعلم اللغة الإنجليزية ولبس القبعة وحلق اللحية واستعمال الملعقة في الأكل. وفي عام 1924 صدر في النجف ـ والكلام للوردي ـ كتاب مطبوع لأحد رجال الدين هو الشيخ عبد الله المامقاني، كان عنوانه: "السيف البتار في الرد على من يقول إ

ن الغيم من البخار"! وَشَهِدت في تلك الآونة رجلاً من العامة يعتدي على آخر لأنه سمعه يقول بأن المطر من البخار. ويضيف الوردي: "وقد يعجب القارئ أن خمسة كتب صدرت في العراق في موضوع تحريم حلق اللحية". ويورد أسماء تلك الكتب ومؤلفيها، وأطرفها عنواناً ذاك الذي وضعه هبة الدين الشهرستاني، وعنوانه: "التفتيش في حلق الريش"!

ويبدو أن قراءة الصحف والمجلات كان الأكثر إثارة للفقهاء المتزمتين، لما كانت تحتويه من حقائق علمية كانت غريبة آنئذ، من قبيل كروية الأرض وكون المطر من بخار الماء المتكثف، ودعواتها إلى العلاج بالطب الحديث، وخصوصاً التطعيم ضد الأمراض.. وغيرها الكثير. وقد وردت الصحف إلى الكويت، ومنها المنار والمقطم والهلال، في أوائل القرن العشرين إلى محل أسرة الخالد، فكان رواده ينقسمون بين قارئ وسامع، كما يقول الشيخ عبد الله النوري في كتابه: "قصة التعليم في الكويت"، الذي يستدرك قائلاً: "مع أن الناس آنذاك كانوا يكفرون من يقرأ الصحف والمجلات، بل وحتى المؤلفات العصرية" (ص 37).

وكان على رأس من يكفر هؤلاء، الشيخ عبد العزيز العلجي (1868-1942) الذي كان يفد إلى الكويت من الإحساء، وكان له أنصار فيها كما كان له أنصار في دبي، حسب قول عبد الفتاح الحلو في كتابه: "شعراء هجر".

وكان هذا الشيخ يحرم قراءة الصحف، ومنها المنار لصاحبها رشيد رضا، ومن جراء هذا الموقف كمن أنصار الشيخ العلجي لرضا حينما زار الكويت عام 1912، يريدون قتله "ولكن من حسن الحظ أن منع القدر الأستاذ من المرور في ذلك اليوم من طريقه المعتاد"، والرواية للشيخ عبد العزيز الرشيد في كتابه: "تاريخ الكويت" (ص 346 ).

والغريب ما ينقله لنا الوردي في مجلده الثالث من كتابه الفخم آنف الذكر (صفحة 8)، من أن الزعماء الدينيين من كل الملل والنحل المكونة للشعب العراقي، قد أجمعوا ـ على ما بينهم من خلافات ـ على رفض قراءة الصحف. يقول: "عندما وصلت الأعداد الأولى من مجلة المقتطف إلى بغداد في 1876، لم يرحب بالمجلة إلا بعض الشباب، بينما قاومها المحافظون من مختلف المذاهب السنية والشيعية والمسيحية واليهودية، لأنها كانت في نظرهم تنشر عقائد جديدة وخطرة"!

ترى، أليس قدراً كبيراً من تخلفنا وعدم ملاحقتنا لركب الحضارة، يعود إلى هؤلاء المتزمتين ونظرتهم الخاطئة إلى الدين؟!