تبدو فكرة قيام اتحاد لدول الخليج العربية في الوقت الراهن من الأمنيات البعيدة، ففي ظل الظروف السياسية الراهنة على الساحة الدولية والإقليمية، يبدو خيار الوحدة حلاً مناسباً لمواجهة التحديات المحدقة بالدول الخليجية، لكن أمنية الوحدة للأسف لن تتحقق في ظل استمرار الوتيرة الحالية لمستوى العمل الخليجي.

منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية قامت في سنة 1981 من أجل تحقيق هدف الوحدة بين الدول الأعضاء، كما ورد في النظام الأساسي للمجلس، من خلال التنسيق والتعاون والتكامل في ما بينها. ويصادف 25 مايو الجاري الذكرى 31 لقيام مجلس التعاون، لكن العمل الخليجي المشترك لم يتمكن خلال الفترة الماضية من وضع الأسس الراسخة، التي تقود بطبيعة الحال إلى الوحدة، رغم الجهود الصادقة والحثيثة من قبل القادة.

 ليس سراً وجود اختلافات وتباينات في كثير من الأمور بين دول مجلس التعاون، ولحسن الحظ أن أغلبها تحت السيطرة، ولا يمثل تهديداً لزعزعة منظومة المجلس، لكنها تمثل عائقاً حقيقياً على طريق الوحدة أمام الدول الخليجية.

الوحدة هدف مشروع وأمنية معظم أبناء الخليج العربي، لكن الاستعجال وحرق المراحل من أجل تحقيق الوحدة، لن يحقق الأهداف السامية التي كان يطمح مؤسسو مجلس التعاون إلى تحقيقها عندما أطلقوا منظومة مجلس التعاون في أبوظبي قبل 31 عاماً.

واقع مجلس التعاون اليوم، يكشف بوضوح أن النجاحات التي تحققت حتى الآن لا ترتقي لطموح مواطني التعاون، مع الأخذ في الاعتبار طول الفترة الزمنية وحجم ما تحقق. خلال السنوات التي مضت، شهدنا ردود فعل إيجابية تجاه بعض الخلافات، لكنها لم ترتقِ لما ينبغي أن يكون، ولتعكس مستوى التلاحم والترابط بين بلدان المنظومة الخليجية.

إن التغيرات التي شهدها العالم العربي وسقوط أنظمة عتيدة، وظهور قوى سياسية جديدة في بلدان ما يسمى الربيع العربي، وتداعيات مرحلة المخاض التي تشهدها سوريا، ومحاولات النظام الإيراني لبسط المزيد من النفوذ في الوطن العربي، كلها تلزم دول مجلس التعاون بالتحرك سريعاً، وإيجاد صيغة جديدة في ما بينها لمواجهة التحديات المحدقة بها.

وأخطر هذه التحديات بالطبع التدخل الإيراني في شؤون دول مجلس التعاون، ومحاولات تكريس احتلال إيران للجزر الإماراتية، ورفضها التوصل إلى حل من خلال المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، ما يؤكد انتهاج إيران لمنطق القوة في التعامل مع جيرانها العرب، وليس منطق حسن الجوار. ولو كانت إيران تملك قوة الحجة ومنطق العدالة، لبادرت بطرح مزاعمها حول الجزر أمام محكمة العدل الدولية.

ولذلك يجب على دول مجلس التعاون أن تتحرك فوراً لمواجهة تلك التحديات، فالظروف المحيطة بدول الخليج وتراجع القوة التقليدية في منطقة الشرق الأوسط المتمثلة في مصر، والغموض السياسي الذي يكتنف دورها المستقبلي في التوازن الإقليمي، هذه المتغيرات لا بد أن تدخل في حسابات دول الخليج العربية، لتحديد شكل التعاون المشترك في ما بينها.

ونظراً لجدية التحديات التي تواجهها دول الخليج العربية، وضرورة التسريع في عملية التصدي لها، وقياساً على حجم إنجازات التعاون على مدى الواحد والثلاثين عاماً، فإن مسألة الوحدة الخليجية ربما لا تكون الأداة المناسبة في الوقت الراهن للتصدي للتحديات التي تواجهها، والخيار الاستراتيجي أمام دولنا هو اتخاذ قرار بتكوين حلف عسكري خليجي، على غرار حلف شمال الأطلسي «الناتو».

هذا الخيار سيكون أكثر قبولاً للحكومات الخليجية، وأكثر قابلية للتنفيذ من ناحية عملية، مقارنة بخيار الوحدة الذي ينبغي أن يكون المحطة التالية من مرحلة التعاون الخليجي، بعد تمهيد الأرضية الصلبة للاتحاد. الحلف العسكري الخليجي اليوم مطلب ضروري، ليضع دول الخليج على الخريطة السياسية كقوة عسكرية إقليمية، بالإضافة لقوتها الاقتصادية، ومتى توافرت هاتان القوتان معاً لدول التعاون، سيكون لها النفوذ الذي يحسب له ألف حساب على الساحة الإقليمية والدولية.

إن قوات درع الجزيرة كان لها شأن بارز في تحرير الكويت، إلى جانب القوات الصديقة، وقبل شهور ساهمت قوات درع الجزيرة في إحباط محاولات العبث بأمن البحرين من قبل المرتبطين بأجندات خارجية. هذه التجربة العسكرية بين دول الخليج، يمكن تحويلها إلى «ناتو» خليجي قوي قادر على ردع الأطماع الخارجية. وهذا الحلف العسكري سيكون دعامة قوية لتطوير صيغة التعاون الخليجي إلى مرحلة الاتحاد، وسيكون علاجاً فعالاً لصداع مزمن.

ودول الخليج لديها قدرات عسكرية قوية، فإذا ما تم ربطها في إطار تحالف عسكري، سيكون لها ثقل في المعدلات العسكرية في المنطقة. دول الخليج العربية تدفع مليارات الدولارات على صفقات التسلح، لكن المردود الأمني لا يضاهي ما يتم دفعه، والاستعانة بالدول الصديقة أمر ضروري في الأزمات.

إن قيام ناتو خليجي قوي، يمكن أن يضم المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية، ويمد يد التعاون مع حلف شمال الأطلسي والدول الصديقة مثل باكستان، سيكون قوة استقرار في المنطقة، لكونه عامل ردع، ويسهم في الأمن والسلم العالمي.

إن تعزيز القدرات العسكرية من خلال الحلف وتعزيز مكامن القوة الخليجية، سيضع دول التعاون أمام مرحلة جديدة، ليس فقط لمواجهة التحديات الحالية، وإنما يجعلها على أهبة الاستعداد للتفاعل مع المتغيرات المستقبلية.