رزنامة الوقت القصيرة التي اتفق عليها الطرفان فتح وحماس في العشرين من شهر مايو المنصرم، لتنفيذ ما سبق توقيعه من إعلانات ووثائق تختص بالمصالحة الفلسطينية.

أحيت في حينه مشاعر ومواقف متضاربة لدى النخب السياسية والاجتماعية بين متفائل ومتشائم، بشأن مدى جدية الطرفين وقدرتهما على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه. الجمهور الفلسطيني بعيداً عن هذه المناخات، لكن من مواقع سلبية، يميل إلى اللامبالاة في أحسن الأحوال، ويعكس حالة من الإحباط واليأس بعد خيبات أمل كثيرة سبقت الاتفاق الأخير.

المحصلة العامة سواء لدى النخب التي تتضارب مواقفها، أو لدى الجمهور الذي يتميز موقفه باللامبالاة والسلبية، هي فقدان البوصلة وغياب اليقين، بما يؤدي تدريجياً إلى الهبوط الجمعي بسقف التوقعات الوطنية، تهبط معها، استعدادات الجماهير الكفاحية.

لقد أدى الاستقطاب الحاد والتخندق لدى الأطراف المتحكمة في المصير الفلسطيني، إلى أن تكون تكلفة أي عملية تغيير محتملة عالية جداً، يترتب على الطرف الذي يقدم عليها أن يدفع فاتورتها.

ولأن عملية المصالحة بعد هذا الوقت الطويل على الانقسام، وتبلور نظامين سياسيين، تخضع لمعادلة المصالح الفئوية وحسابات العوامل الخارجية المتغيرة، والداخلية، فإن هذه العملية باتت تنطوي على أبعاد نضالية بعيدة المدى، وتحقيقها من عدمه مرهونة بالمتغيرات المحيطة التي لن يكون من بينها العامل الإسرائيلي الذي سيظل يعمل لتأبيد الانقسام، باعتباره إنجازاً تاريخياً لإسرائيل.

وعلى الرغم من أن الدور المصري إزاء المصالحة، ظل نشطاً منذ أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وحتى هذه الأيام التي تمر فيها مصر بأحداث كبرى، لكنه لم يرق إلى مستوى العامل الحاسم الذي يقوى على دفع الطرفين نحو المصالحة، إلا أن الطرفين فتح وحماس ينتظران نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية.

قد يكون واقعياً وفق نظريات العمل السياسي، أن تتبدل المواقف الذاتية ارتباطاً بتبدل العوامل الخارجية حين يكون لها مثل هذا التأثير على الحالة الفلسطينية الذي تحظى به مصر، ذلك أن فوز الإسلامي الدكتور محمد مرسي، سيعطي لحركة حماس التي تنتمي إلى حركة الإخوان المسلمين التي يمثلها مرسي، مما يدعوها لانتزاع المزيد من التنازلات.

وربما تولد لديها الشعور بأن اتفاقيات المصالحة التي تم التوقيع عليها لا تتناسب مع ميزان القوى الجديد، ولهذا يصبح مفهوماً أن يطالب الدكتور محمود الزهار القيادي في حماس بتأجيل المصالحة. العكس في هذه الحالة أيضاً يصبح وارداً، فإذا فاز الفريق أحمد شفيق، بكرسي الرئاسة مما يعني فشلاً ذريعاً للجماعات الإسلامية، فإن حركة فتح سيتولد لديها أو لدى بعض قياداتها، شعور بالحاجة للضغط على حماس من أجل تقديم تنازلات أخرى لصالحها.

الصراع على كرسي الرئاسة في مصر، لم يعد تنافساً ديمقراطياً بين شخصيات مؤهلة، تحتكم إلى صناديق الاقتراع، بل إن مجريات الدعاية الانتخابية والتفاعلات التي صاحبتها، تشير إلى أن هذا التنافس انتقل إلى حالة صراع بين مذاهب سياسية، يمكن تلخيصه على أنه صراع على مستقبل مصر بين النهج العلماني والنهج الإسلامي. غير أن ملف المصالحة، والعلاقات الداخلية الفلسطينية، مهدد بالخطر، في حال قبلت القيادة الفلسطينية المتنفذة لدى الطرفين فتح وحماس، بأن يكون القرار الفلسطيني مرهوناً بالعوامل الخارجية.

العوامل الخارجية عدا عن أنها متحركة جداً خاصة في هذه المرحلة، فإنها لا تقتصر على مصر، رغم أهمية ومركزية دورها، إذ إن طبيعة القضية الفلسطينية بما أنها قضية دولية بامتياز، يجعل هذه العوامل الخارجية متعددة على تضارب المصالح فيما بينها.

هل سينتظر الفلسطينيون أيضاً، مستقبل التطورات الجارية في سوريا، أو في دول الطوق الأخرى «لبنان والأردن»، وهي كلها مرشحة لأن تشهد عمليات تغيير، ثم ماذا عن التطورات الأخرى في المنطقة والإقليم والعالم؟

وإذا كانت للعوامل الخارجية تأثيراتها وبصماتها على القرارات والمصالح الفلسطينية، فماذا عن العامل الإسرائيلي، الذي يشكل بما يملك من قدرات، عاملاً خارجياً وداخلياً في الوقت ذاته؟ أصل المشكلة إذا يكمن في غياب الإرادة السياسية لدى القيادات الفلسطينية على خوض التحدي، من أجل المصالح الوطنية، والتعامل مع ملف المصالحة والوحدة الوطنية على أنه ملف كفاحي.

المواطن الفلسطيني بات يدرك بأن البرامج الفئوية والفصائلية لا تزال تعلو على البرامج والمصالح الوطنية العامة للشعب الفلسطيني، ولذلك من غير المتوقع أن يتغير موقف المواطن لجهة دعم المصالحة، حتى لو تحققت بالشروط التي انبنت عليها.

الأمر يستدعي حوارات وطنية من نوع مختلف تبدأ بمراجعة التجربة السابقة لاستخراج دروسها، ونحو وضع استراتيجيات جديدة، ترقى إلى مستوى التحديات الخطيرة التي تنطوي عليها السياسات والمخططات الإسرائيلية، التي أخذ بعض المسؤولين عنها يتحدثون علنياً، عن تكثيف وتسريع الاستيطان، وعن احتمال الإقدام على الانسحاب من طرف واحد، لا يتجاوز42% من أراضي الضفة وهي المصنفة بمناطق (أ).