تواجه الجزائر تحديا كبيرا بسيطرة جماعات تابعة لتنظيم القاعدة على منطقة شمال مالي واعتزامها تأسيس دولة اسلامية سلفية على شاكلة النظام الطالباني في افغانستان. وتأسيس هذه الدولة سيكون تهديدا حقيقيا للجزائر، ليس فقط لأنها ستكون على حدودها الجنوبية مباشرة.

وانما لان الجماعات السلفية التي سيطرت على شمال مالي وهما: "حركة انصار الدعوة والتوحيد في غرب افريقيا" و"حركة انصار الدين" خرجتا من عباءة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المكون اساسا من الجماعة السلفية للدعوة والقتال وهي جزائرية، بما يعني ان الجزائر ستكون مستهدفة لتأسيس امارة اسلامية اخرى تضاف الى تلك المراد تأسيسها في مالي.

لهذه المعطيات فان الجزائر تتعرض لضغوط هائلة تستهدف ان تتدخل عسكريا في مالي لمنع تأسيس هذه الدولة واعادة سلطة الدولة المركزية مرة اخرى الى هناك. ومصادر هذه الضغوط هي اولا العمليات التي قامت بها حركة "انصار الدعوة والتوحيد في غرب افريقيا" وثانيا دول غرب افريقيا ممثلة في منظمة دول غرب إفريقيا ((CEDAO التي تريد ان يتبنى المجتمع الدولي تنفيذ عملية عسكرية تحت غطاء الامم المتحدة في مالي وان تشارك الجزائر فيها.

وهناك ايضا ضغوط من النخبة السياسية والاقتصادية الفرنسية التي ترى ان مصالحها السياسية والاستراتيجية مهددة بسبب ما يحدث في مالي.

خاصة وانه يمكن ان يمتد الى النيجر المصدر الاول لفرنسا بالنسبة لمادة اليورانيوم وهو سلعة استراتيجية مهمة بالنسبة لها، والى كل من تشاد وموريتانيا وهما دولتان مهمتان بالنسبة لسياسة فرنسا الافريقية. وكل هذه الدول من المناطق التي تعمل فيها التنظيمات الموالية لتنظيم القاعدة وتسعى للسيطرة عليها.

ولكن الجزائر ترفض هذه الضغوط، وتتحفظ على مبدأ التدخل في الصراع الجاري في شمال مالي. وقال مسؤول جزائري إن بلاده لا تعتزم التدخل عسكريا في مالي، انطلاقا من المبدأ الذي التزمته منذ الاستقلال، وهو امتناع الجيش الجزائري عن القيام بأية عمليات خارج الأراضي الجزائرية، عدا المشاركة في مهمات تحت غطاء دولي.

وهذا الموقف لايعني ان الجزائر سوف تستسلم لواقع وجود امارة سلفية معادية لها على حدودها، وهو ما سوف يعطي زخما للجماعات الجزائرية التي تريد تحويل الجزائر او جزء منها الى امارة اسلامية مشابهة، وانما يعني ان للجزائر رؤية مختلفة تماما عن الرؤية الدولية والافريقية الراهنة التي يريد التعامل عسكريا مع الجماعات المسيطرة على شمال مالي، فالجزائر تعرف جيدا حساسيات وتضاعيف وتعقيدات المنطقة المحيطة بها وهي تعقيدات اثنية وقبائلية واقتصادية واجتماعية وسياسية، فضلا عما فيها من صراعات على النفوذ بين قوى دولية.

وتدرك ان التدخل العسكري قد يكون بمثابة مستنقع يصعب الخروج منه، بل قد يزيد من الفوضى التي تواجهها المنطقة والتي كان من ابرز تداعياتها سيطرة القاعدة او تنظيمات مشتقة منها على شمال مالي وسعيها الى السيطرة على كامل منطقة الساحل الإفريقي.

وتقوم الرؤية الجزائرية للتصدي لخطر الدولة الطالبانية في شمال مالي على دعم الحركة الوطنية لتحرير الأزواد، وهي حركة من حركات قبائل الطوارق، في صراعها مع التنظيمات الموالية للقاعدة في المنطقة، وهذه الحركة العلمانية منيت بهزيمة عسكرية في مواجهتها مع حركة أنصار الدين المتفرعة من القاعدة.

وخسرت مقر قيادتها في مدينة كيدال شمال مالي الذي سيطرت عليه عناصر أنصار الدين، وترى الجزائر ان دعم هذه الحركة يمكن ان يحول الصراع لمصلحتها، وان يتزامن ذلك مع رعاية التوصل الى اتفاق بين هذه الحركة والحكومة في مالي بما ينزع عن القاعدة استثمار الفوضى الناشئة عن الصراع بين هذه الحركة والحكومة. وكانت الجزائر تقوم برعاية هذا الاتفاق لكنه اجهض بعد هزيمة الازواد في مواجهتهم مع انصار الدين.

اضافة الى ذلك تسعى الجزائر حاليا إلى تعزيز الحشد الدولي المناهض لـحركة أنصار التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، وخاصة بعد هدمها لثلاثة معالم تراثية في مدينة تومبوكتو شمال مالي مُصنفة من ضمن التراث الإنساني العالمي.

واعتبرت أوساط اليونسكو أن ما قامت به الحركة المتفرعة من القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي في شمال مالي لا تختلف عن هدم حركة طالبان الأفغانية سنة 2001 تماثيل بوذية عريقة تعتبر أيضا جزءا من التراث الإنساني. وتستثمر دول الجوار هذه الإدانة الدولية الشاملة لحشد الدعم لإرسال قوات أفريقية إلى شمال مالي، أسوة بالتدخل الذي أدى للإطاحة بالرئيس السابق لساحل العاج لوران غباغبو.

غير أن فرنسا التي دعمت الحسن وتارة في مواجهة غباغبو تتردد في دعم أي تدخل عسكري في مالي، ليس فقط بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها، وإنما أيضا من خشيتها أن يجرها التدخل إلى منزلق شبيه بورطة الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان.

وهذا الامر قد يكون بديله هو ما تقترحه الجزائر من المزيد من الدعم العسكري للحكومة المالية الحالية ولو تطلب الامر ارسال خبراء عسكريين للاشراف على العمليات على النحو الذي تقوم به الولايات المتحدة في الصومال واليمن حاليا وهذا الاسلوب حقق نجاحا واضحا وكانت كلفته في ادنى درجاتها بالنسبة للدول الغربية.