يعتبر رأس المال البشري بمثابة المخزون الاستراتيجي لأي دولة تتطلع لبناء مستقبل مشرف ومستدام، يستجيب لطموحات الحاضر ويلبي توقعات الأجيال القادمة، وهذا هو المقصود من مفهوم الاستدامة.

ويتفق علماء الاجتماع الإداري على أن التنمية بمفهومها الشمولي، وبأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية، صارت مطلباً لا غنى عنه ولا سبيل للتراجع دونه، ذلك أن التنمية أصبحت الجسر الذي تعبر من خلاله المجتمعات النامية والناشئة، للمضي قدما لبلوغ الرفاهية الاجتماعية بحسبانها الهدف النهائي للتنمية المستدامة.

وقد أجمعت آراء لفيف من العلماء والخبراء على أن التنمية البشرية تعد أهم ركائز التنمية المستدامة، وقد تأكد منذ مطلع الألفية الجديدة أن الدول التي انطلقت من كونها دولا نامية إلى مستوى دول متقدمة، ما كان لها أن ترتقي إلا لأنها ركزت على بناء القدرات البشرية، ولعل ذلك ما جعل التنمية البشرية تحتل موقع الصدارة في سلم أولويات استراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولا يخفى على أي مواطن أو مقيم أن دولة الإمارات استطاعت بفضل قيادة رشيدة وحكيمة، أن تعبر جسر التخلف وتتعدى مرحلة الدول الناشئة للحاق بالدول المتقدمة.

تشير تجارب دول مثل سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية، إلى أن تنمية رأس المال البشري تعد من أكبر التحديات التي تواجه العملية التنموية في كل الدول التي دخلت في سباق مع الزمن، والتي تؤمن بأن الإنسان هو وسيلة التنمية وغايتها، ومن هذا المنطلق جرى الاهتمام ببناء قدرات الكوادر الوطنية الشابة المتسلحة بالمعرفة، للعمل في كافة المجالات من أجل تحقيق هدفين أساسيين هما: أولا؛ الإسهام الفاعل في مشروعات التنمية المستدامة واكتساب المزيد من الخبرة. ثانيا؛ الإحلال محل العمالة الوافدة للحد من خلل التركيبة السكانية.

ومما لا شك فيه أن الدولة قطعت أشواطا بعيدة لتحقيق تنمية شاملة مست كافة مجالات الحياة، فأصبحت للإمارات بنى تحتية تفوق المتاح في دول سبقتها في هذا المضمار.

وتكفي الإشارة إلى التحسن المطرد في موقع دولة الإمارات العربية المتحدة في التقرير الدولي للتنمية البشرية، في وقت كان ترتيبها في تقرير عام 2006 يلي الكويت والبحرين وقطر، ولم تمض إلا خمس سنوات واذا بالإمارات تحتل الموقع الأول بين الدول العربية. لكن علينا ألا نتوقف عن بذل مزيد من الجهد، ليس للحفاظ على ما تحقق، ولكن للحيلولة دون التراجع عنه، لأن السباق محتدم في عالم التنافسية الدولية ومن لا يتقدم من حيث وصل يلحق به آخرون، بل ربما يتجاوزونه. ومن جهة أخرى، يتعين على الجهات المعنية تلافي جوانب القصور الذي عادة ما يصاحب تنفيذ البرامج التنموية.

وفي تقديري أن دولتنا ما كان يمكنها بلوغ هذا المستوى المشرف إلا بعد الجهود التي بذلت لتحسين الخدمات الصحية، والتي ترافقت معها جهود مقدرة في حقل التعليم، كما أشارت إلى ذلك الأرقام المتاحة. ويكفي القول إن معدل المعرفة بالقراءة والكتابة بين البالغين بلغ 80%، كما ارتفع معدل الالتحاق بالمدارس وكافة مراحل التعليم، بما في ذلك التعليم الجامعي، حتى وصل إلى 75%.

ويرجع ذلك إلى التوسع الأفقي والرأسي الملحوظ في ميادين التعليم. مع ذلك ما زال التعليم يحتاج إلى رؤى تطويرية، خصوصا المناهج التي لا تلبي ولا تواكب مستجدات العصر الرقمي وتوقعات أجيال المستقبل، هذا إذا حاولنا مجرد المقارنة بين واقع الحال ومستويات التعليم في دول ناشئة أخرى، مثل سنغافورة أو جنوب إفريقيا أو البرازيل.

أما في مجال الخدمات الصحية فقد حدث تطور يلاحظه القاصي والداني، حيث جاوزت الإمارات العمر المتوقع عند الولادة والمتوسط العمري للفرد، كما أن معدل وفيات الأطفال الرضع وحديثي الولادة، قد انخفض بشكل ملحوظ حتى وصل إلى أقل من 10 حالات في الألف. أما مؤشر متوسط دخل الفرد في الإمارات، فقد تجاوز معدل الدول ذات الدخل المرتفع.

وما تهمنا الإشارة إليه، هو أن اهتمام الدولة الذي جعل الإنسان يتصدر أولوياتها، كان وسيظل العنصر الدافع لبلوغ مراحل متقدمة لتحقيق آمال وتطلعات مجتمع الإمارات.. وبهذا تكون دولتنا تسابق الركب للحاق بالدول المتقدمة.