وجهت إلى متابعي على شبكة «تويتر» منذ مدة ليست ببعيدة، نصيحة صحية مهنية قلت فيها: «مزاجك الرائق هو أثمن ما تملك، فلا تترك لأحد أو لشيء فرصة لأن يفسده لك»، وأحببت اليوم أن أتحدث هنا عن هذا الموضوع بشيء من التفصيل، لعلي أجيب عن التساؤلات والتعليقات الكثيرة التي وردت حوله آنذاك.
مسألة «المزاج الرائق»، وأهميتها في الحياة عموماً، وعلى الرغم من وضوحها وبداهتها، ليست مدركة بعمق عند كثير من الناس. صحيح أن أغلب الناس يدرك، بشكل عام، أن المزاج الحسن الرائق أفضل من المزاج السيئ، لكننا لا نرى إدراكهم هذا ينعكس بشكل واضح على تصرفاتهم الإرادية، وسأوضح هذا الكلام أكثر.
نشاهد دوماً أن مزاج كثير من الناس، ولو قلت الأغلبية لما كنت عن الصحة ببعيد، مرتهن بالظروف والمؤثرات الخارجية التي لا يتحكمون فيها على الإطلاق، ولذلك تسهل استثارة انفعالاتهم، واستدراجهم نحو التوتر والقلق وربما الاكتئاب، عندما تعترضهم أية عقبة في الحياة، أو من خلال استدراجهم إلى الجدالات والمشاحنات والمواجهات العقيمة مع الآخرين.
وبطبيعة الحال، فعندما يتعكر المزاج، ويخسر الإنسان صفاء نفسه، فإنه غالباً ما يفقد القدرة على التركيز واتخاذ القرارات الصائبة، والعمل بشكل جيد منتج، ويفقد الرغبة تبعاً لذلك في التواصل الإيجابي مع الآخرين من حوله، سواء من عائلته أو أقربائه، ناهيك عن أصدقائه وزملائه، وقد يظل أسيراً لهذه الحالة السلبية المتوترة المتشنجة لوقت قد يطول في كثير من الحالات، ما سينعكس سلباً على سائر حياته.
تقول كتب التنمية البشرية إن حياة الإنسان تتشكل بنسبة عشرة في المئة من خلال تلك الأمور الخارجة عن إرادته، والتي لا يستطيع تغييرها، وبنسبة تسعين في المئة من خلال قراراته وردود أفعاله تجاه هذه الأشياء. وهذا الكلام صحيح إلى حد بعيد، فذلك الإنسان الذي حكمت عليه الظروف، مثلاً، أن يترك مقاعد الدراسة لوضع اجتماعي ما، هو صاحب القرار بعد ذلك في أن يستمر قانعاً مكبلاً بالوظيفة البسيطة التي اضطر إلى الالتحاق بها مجبراً، أو أن يعمل ويقوم بإكمال دراسته في الوقت نفسه في الفترة المسائية، وذلك الإنسان الذي خسر فرصة مالية ما، هو نفسه صاحب القرار بعد ذلك في أن يستسلم وينسى التجارة تماماً ويظل قانعاً بوظيفته المتواضعة، أو أن يعود ليحاول مرة أخرى فينجح، وغير ذلك من الأمثلة كثير..
أغلب القرارات وردود الأفعال الحياتية التي يتخذها الناس، تكون مرتبطة بتوقيت محدد لاتخاذها، وإلا ضاعت الفرصة على صاحبها. ودون المزاج السليم الرائق، ودون المشاعر المنضبطة الصحيحة، فإن الإنسان لن يكون قادراً على اتخاذ قراراته بشكل سليم في التوقيت السليم.
كم من شخص من حولنا، في لحظة غضب أضاع فرصة مهمة لحياته، وكم من شخص حولنا، في لحظة انفعال خسر علاقة مهمة في حياته، وكم من شخص حولنا، في لحظة تهور أقدم على تصرف كارثي خاطئ أودى بمسيرة حياته! ومن هذا يتضح لنا أن أهمية المزاج السليم الرائق، أكبر بكثير مما قد يتصور البعض.
ولكنني - ومع ما قلت - أدرك تماماً أن التحكم في المزاج ليس سهلاً جداً، وأن القدرة على ذلك تتفاوت بين الناس، ولكنني في ذات الوقت أعلم يقيناً أن كل إنسان قادر على إعادة برمجة نفسه في النهاية بقليل أو كثير من الجهد، وتحسين هذا الجانب فيه، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «العلم بالتعلم، والحلم بالتحلّم». وعليه فمن الضروري لنجاح حياة الإنسان، ألا يترك مزاجه ومشاعره نهباً للظروف والمؤثرات الخارجية، وأن يضع في وعيه وإدراكه أنه قادر على السيطرة عليها، بالإصرار والتدريب والممارسة.
ولهذا أعود لأقول؛ مزاجك، مزاجك، مزاجك، هو أثمن ما تملك، فلا تترك لأحد أو لشيء فرصة لأن يفسده لك!