مع تولي الرئيس محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين منصب رئيس الجمهورية في مصر، توقع معظم المهتمين بالعلاقات المصرية الإسرائيلية أن تشهد هذه العلاقات درجة من الفتور والسلام البارد بين الجانبين. وهذه التوقعات جاءت من مواقف جماعة الإخوان المسلمين عبر التاريخ، وأيضاً من تصريحات متعددة لقيادات لهم، وانتقاداتهم لشكل العلاقات التي جمعت بين مصر وإسرائيل خلال حكم حسني مبارك.

ولكن المتابع لمجريات العلاقات بين الجانبين سيجد أنها لم تشهد أزمات، بل يمكن القول إنها شهدت على العكس من ذلك تفاهمات يبدو أنها تمت برعاية أميركية.

وأبرز التفاهمات كان خلال العملية التي نفذتها القوات المسلحة المصرية في سيناء، لتعقب مرتكبي جريمة معبر كرم أبو سالم، حيث قال المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية إنها تمت بتنسيق كامل مع إسرائيل.

تلى ذلك تصريحات لرئيس الوزراء المصري هشام قنديل لإحدى الوكالات الصحافية الأميركية، حول دعم اتفاقية "الكويز" التي تعطي مزايا للصناعات المصرية التي تدخل فيها مكونات إسرائيلية، ثم ما تسرب عن مشاركة أعضاء في حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، في مؤتمر عن الربيع العربي في حضور وفد من إسرائيل.

وكان الرئيس محمد مرسي هو الأسرع في تعيين سفير مصري في إسرائيل بعد انتهاء مدة السفير السابق، وهو الأمر الذي أثار استغراب ناشطين مصريين، خاصة وأن السفير المصري المعين عاطف سالم سيد الأهل بدأ عمله بمجرد تعيينه.

 يضاف ذلك إلى ما نشرته صحف أميركية، حول رد الرئيس محمد مرسي على برقية تهنئة جاءت له من الرئيس الإسرائيلي بمناسبة ثورة 23 يوليو.

وهذه التطورات تتناقض مع التوقعات التي سادت بعد تنصيب الرئيس مرسي، وتؤكد أن السلام المصري البارد مع إسرائيل دخل مرحلة أكثر سخونة. ولهذا الأمر تفسيرات متعددة، منها أن الحكم المصري الجديد وهو بصدد بناء شبكة علاقات خارجية قوية مع القوى الغربية، رأى أن عليه أن يقدم رسائل طمأنة، ورأى أيضاً أن أفضل الطرق لهذه الرسائل هو ما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل.

وعلى الجانب الآخر فإن الطرف الوسيط، كما يبدو من تصريحات علنية، وهو الولايات المتحدة، يمارس عملية ابتزاز على الرئيس وجماعته، بما يجعلهم يخضعون لهذا الابتزاز ويتمادون في "التطبيع"، بوتيرة أسرع مما كان يقوم به علناً رئيس سابق، قيل عنه إنه كنز استراتيجي لإسرائيل.

وتقوم الولايات المتحدة بعملية الابتزاز هذه، وهى تعتقد أنها أمام فرصة تاريخية متاحة من أجل عملية تطبيع كامل بين مصر وإسرائيل، تجر إليها فيما بعد باقي الدول العربية، وذلك من دون أن تقدم إسرائيل أي تنازلات في عملية السلام المتعثرة منذ سنوات عدة.

وترى الولايات المتحدة أن التطبيع بين مصر وإسرائيل فشل سابقاً، لأن الحكومات التي حكمت مصر لم تكن تتمتع بقاعدة شعبية صلبة، وهي ترى أن الوضع الآن مختلف مع الرئيس مرسي، الذي تقف من ورائه جماعة الإخوان المسلمين ذات الحضور الشعبي الواسع.

وإضافة إلى القاعدة الشعبية للحكومة والإخوان، فإن الولايات المتحدة، ومعها إسرائيل، تعتقدان أنه لا يمكن لأي قوى سياسية مصرية أن تزايد على مواقف الإخوان في ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي والتطبيع، وأن الحكومة الحالية إن خطت خطوة في هذا الاتجاه فإن القوى الأخرى لن تستطيع أن تنتقدها، بل إن هذه الخطوة ستحظى بشرعيتين شعبية ودينية.

ولكن هذه الرؤية تتجاهل أن مضي الحكم الجديد في مصر في علاقات تطبيعية، يمكن أن تزيل عنه الشرعية التي يتمتع بها، وأن هذا التوجه يمكن أن يحدث خلافات بين جماعة الإخوان وبين الرئيس، ويمكن أيضاً أن يحدث انشقاقات داخل الجماعة.

والذي يمكن قوله في هذا المجال، هو أن ما يفعله الرئيس مرسي حالياً من خطوات تجاه إسرائيل، هي مناورات سياسية تستهدف الحصول على دعم الولايات المتحدة، وعند استقرار هذا الحكم سيكون هناك موقف آخر تجاه إسرائيل، في الغالب سيكون هو السلام البارد الذي طالما سيطر على العلاقة بين الجانبين.

والمؤكد أن الولايات المتحدة وإسرائيل تدركان جيداً مناورة الإخوان، ومن هنا فهما تسعيان إلى الحصول على المكاسب الممكنة في الوقت الراهن، أي قبل استقرار الحكم في مصر وقبل تمكن الرئيس مرسي من القبض بقوة على مقاليد الأمور.

أي أننا نشاهد مباراة بين فريقين كل منهما يريد أن ينهيها لمصلحته بسرعة، لأن الوقت هو العنصر الحاسم لحسمها. وفى الوقت الذي تقدم فيه الولايات المتحدة إغراءات للحكم المصري، متمثلة في دعم واضح من الإدارة ومساعدته في الحصول على مساعدات من مؤسسات التمويل الدولية، فإن الرئيس المصري يقدم خطوات صغيرة وإغراءات لفظية، ولا يتمادى أكثر من ذلك في عملية تطبيع قد تكون غير محمودة العواقب، ويمكن أن تسبب له مشكلات مع كوادر جماعته أو مع حلفاء سياسيين له مثل التيار السلفي.

وهذا الوضع قد يستمر طويلاً، ونعتقد أن اللحظة الفاصلة فيه ستكون بعد انتهاء الانتخابات الأميركية، لأن هذا الوضع غير منقطع الصلة عن الانتخابات ومحاولة الديمقراطيين التهدئة مع إسرائيل، وإعطائها مكاسب في الصراع العربي الإسرائيلي، قد يكون منها جائزة التطبيع مع مصر.