يبدو أن سيطرة جماعات موالية لتنظيم القاعدة على شمال مالي، يمكن أن تؤدي إلى تدخل عسكري خارجي من أجل وقف تمدد التنظيم، خاصة وأن المناطق المحيطة بمالي من المناطق المهمة استراتيجياً للدول الغربية. فقد ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن الإدارة الأميركية بدأت التفكير في توجيه ضربات جوية بواسطة طائرات بلا طيار لقواعد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الموجودة في شمال مالي.
وأكدت الصحيفة أن مستشار الرئيس باراك أوباما لمكافحة الإرهاب جون برينان يجري تقييماً للوضع في المنطقة بالتعاون مع وزارة الخارجية والبنتاغون ويبحث إمكانية تدخل أميركي لمكافحة هذه المجموعات المتطرفة. وأوضحت الصحيفة نقلا عن مسؤولين أميركيين انه يجرى أيضاً بحث اللجوء إلى الطائرات بدون طيار التي تستخدم بالفعل ضد الجماعات الإسلامية المسلحة في دول مثل باكستان واليمن أو الصومال.
وكان مسؤول دبلوماسي أميركي كبير أكد أن الولايات المتحدة على استعداد لدعم تدخل عسكري "جيد الإعداد" تقوم به دول أفريقية في شمال مالي لطرد حركة التمرد الإسلامية المرتبطة بالقاعدة. كذلك دعا وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا دول المغرب العربي إلى تطوير "مجهود إقليمي لمجابهة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في المنطقة".
من ناحية أخرى أعلن رئيس الحكومة الفرنسية جان مارك آيرولت أن حكومته مصممة على منع مجموعات مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من إقامة معاقل لما أسماه "الإرهاب" الدولي في شمال مالي. وكل ذلك يصب في احتمال أن التدخل الخارجي في مالي أصبح مسألة وقت بعدما عجزت الحكومة المالية عن التصدي لتنظيم القاعدة، الذي أصبح مع مرور الوقت يحكم قبضته على المناطق التي يسطر عليها.
والذي يؤكد ما نقول أن الجزائر وهي الدولة التي كانت ترفض التدخل الخارجي في مالي وكانت السبب في توقف محاولات التدخل غيرت موقفها في الآونة الأخيرة ذلك أنها قررت تغيير موقفها من الصراع الدائر في شمال مالي من تحاشي الحسم العسكري إلى تشكيل قوة تدخل قوامها أربعون ألف جندي والتنسيق مع دول المنطقة والقوى الدولية لمطاردة الجماعات المرتبطة بتنظيم "القاعدة" في المناطق المالية المحاذية لأراضيها.
وقالت وسائل إعلام جزائرية إن هيئات الأركان في دول الميدان، وهو تجمع يضم كلاً من النيجر وموريتانيا ومالي وبوركينا فاسو، إلى جانب الجزائر، وافقت على السماح بـ"المطاردة الساخنة للجماعات الإرهابية العابرة للحدود" في إشارة إلى الجماعات المسلحة التي سيطرت على شمال مالي.
وأوضحت أن هذة المطاردات ستتم في المناطق الصحراوية المفتوحة، لكن بعد "إبلاغ الدولة التي تقع المطاردة على أرضها وبشرط عدم وجود قوات نظامية جاهزة لاعتراضها في البلد الذي تفر إليه". وبهذه الخطوة غيرت الجزائر من سياستها التقليدية في مجال مكافحة الإرهاب، القائمة على تكفل كل بلد بشؤونه الأمنية بنفسه.
ونقلت وسائل الإعلام الجزائرية أن قادة الأركان في دول الميدان اتفقوا على خطة مشتركة للتعامل مع الوضع الأمني في منطقة "أزواد" في شمال مالي، التي خرجت من سيطرة الحكومة المركزية وباتت في قبضة جماعات أصولية مرتبطة بـ"القاعدة".
وطبقاً لما رشح عن هذه الخطة فهي تهدف إلى تخصيص أربعين ألف مقاتل، بينهم 25 ألفا من الجنود الجزائريين المنتشرين حالياً جنوب البلاد. كما ترمي أيضا لمنع تمدد نشاط جديد للقاعدة في كل من موريتانيا والنيجر ونيجيريا وبوركينا فاسو. كذلك تتضمن الخطة الأمنية اتخاذ إجراءات أمن مشددة في الحدود المشتركة بين إقليم أزواد والدول المجاورة، لمنع تسلل مسلحي الجماعات السلفية الجهادية إلى الإقليم ومنع وصول الأسلحة والتجهيزات إلى المنطقة.
وكان قادة عسكريون من الدول المعنية اجتمعوا أخيراً في موريتانيا وقرروا تبادل المعلومات في شأن الأوضاع الأمنية على الحدود والعناية باللاجئين الذين غادروا شمال مالي هرباً من المعارك، لتفادي تجنيدهم من الجماعات الأصولية. وجاء هذا الاتفاق بعدما لاحظت أجهزة الاستخبارات أن الجماعات المسلحة تلجأ إلى المثلث الحدودي الرابط بين الجزائر ومالي وموريتانيا للإفلات من الملاحقات، وقد نجت مجموعات عدة من المطاردة بعد هروبها إلى المثلث.
وهذا التبدل في الموقف الجزائري، جاء إما لأن القيادة العسكرية والمخابراتية الجزائرية وجدت أن تفاقم الأوضاع في مالي سوف تؤثر بالسلب على الوضع الأمني في الجزائر وهي مستهدفة هي الأخرى من القاعدة، ويمكن أن يؤدي انتشارها في مالي ودول اخرى مرشحة للانتشار مثل النيجر على إعطاء زخم لقاعدة الجزائر التي تعمل تحت مسمى الجماعة السلفية للدعوة والقتال، أو نتيجة للضغوط التي مورست على الجزائر من قوى خارجية على رأسها كل من فرنسا والولايات المتحدة لأنها تدرك أن عملية إقليمية مدعومة من الخارج لن تنجح من دون مشاركة الجزائر.