قامت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بزيارة للجزائر مؤخرا، قالت المصادر إنها انصبت على قضية واحدة وهي التدخل العسكري الوشيك في مالي، من أجل إنهاء نفوذ تنظيم القاعدة في شمالها. وهذه الزيارة تأتي ضمن جهود تبذلها دول غربية من أجل إقناع الجزائر بالمشاركة في عملية عسكرية في مالي، لكن يبدو أنها لم تحقق هذا الهدف.

حيث أعلن عقب انتهاء الزيارة عن اتفاق الدولتين على «متابعة الحوار حول ملف مالي في إطار ثنائي»، وذلك بعدما أبلغ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ضيفته الأميركية، أن الوضع في شمال مالي «أكثر تعقيداً مما يتصوره البعض».

والحاصل أنه بعيدا عن تعقيدات الأزمة في مالي التي تعرفها الجزائر جيدا، فإن الخبراء السياسيين الأميركيين كانوا يعرفون من قبل بدء زيارة كلينتون، أنه من الصعب على الجزائر أن تتخذ قرارا بالمشاركة في عملية عسكرية في مالي، بسبب ما ذكره مسؤول جزائري سابق عن «وجود عقيدة في صفوف الجيش ترفض التدخل في نزاعات خارجية».

وهو ما جعل نفس الخبراء يتوقعون أن تقتصر مطالب كلينتون على لعب دور شبيه بدور باكستان في الحرب الدولية على حركة طالبان والقاعدة، في مناطق الحدود الباكستانية الأفغانية، وهذا يعني تقديم الجزائر مساعدة في المعلومات عن الإسلاميين الناشطين في مالي أو تسهيل تحليق الطائرات التي ستقوم بمهمة ضرب الناشطين الإسلاميين في مالي.

وتفاصيل زيارة وزيرة الخارجية الأميركية للجزائر، تؤكد أن العد العكسي لعملية عسكرية ضد القاعدة في شمال مالي قد بدأ، تزيد منه التصريحات التي تصدر عن أكثر من مسؤول فرنسي حول استعداد فرنسا للتدخل في مالي أو المساعدة في تنفيذ عملية عسكرية من أجل القضاء على نفوذ القاعدة.

وأبرز هذة التصريحات صدر منذ أيام عن رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك آيرو، الذي أعلن أن حكومته مصممة على منع مجموعات مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، من إقامة معاقل لما أسماه "الإرهاب" الدولي في شمال مالي، مضيفا "لدينا التصميم التام لمنع جماعات مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من إقامة معاقل للإرهاب الدولي في شمال مالي، تهدّد السلام والازدهار في كافة أرجاء المنطقة، كما تهدد أمننا بالذات".

وهذا الموقف الغربي يتلاقى مع ضغوط تبذلها دول الجوار الجغرافي لمالي، التي تخشى أن يمتد التطرف إليها، خاصة وأن القاعدة لا تخفي أنها تريد أن تنشئ دولة إسلامية في منطقة الساحل الإفريقي. وأبرز من دعا إلى ذلك هو الرئيس النيجيري، غودلاك جوناثان، الذي دعا إلى "التحرك لاجتثاث القاعدة" من شمال مالي، مذكرًا بأن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، التزمت إرساء السلام في هذا البلد.

وقال خلال لقائه وزير الخارجية الألماني: "علينا التحرك لاجتثاث القاعدة ومهربي المخدرات والخاطفين والعناصر الإجرامية الأخرى، الذين يحولون شمال مالي إلى موئل للإرهابيين". وكان جوناثان الذي زار مالي، يحاول الحصول على دعم ألمانيا والاتحاد الأوروبي.

وكلنا يعرف أن نيجيريا تعاني من نفوذ جماعة "بوكو حرام"، وهناك محللون يرون أن تدعيم نفوذ قاعدة مالي يساعد بوكو حرام في تدعيم نفوذها في مالي، الأمر الذي يسهل عليهما تأسيس الدولة الإسلامية التي تسعى إليها القاعدة في منطقة الساحل الإفريقي.

وفي رأي الدول الغربية، فإن تأسيس هذه الدولة ستكون له تأثيرات استراتيجية سلبية على المصالح الغربية. ومنها من يرى أن الوضع الراهن مناسب لتنفيذ عملية عسكرية الآن، وأن الانتظار سيمكن القاعدة من تدعيم نفوذها في هذه المنطقة.

وكل ذلك يعجل من تنفيذ العملية العسكرية التي لا يعرف أحد حتى الآن كيف ستتم، لأن هناك سيناريوهين لها؛ الأول أن تتم العمليات على نفس النمط الذي تتم به عمليات مواجهة القاعدة في كل من الصومال وأفغانستان واليمن، أي أن تتولاها الولايات المتحدة عبر استخدام الطائرات بدون طيار.

وهي عمليات نجحت إلى حد كبير. وهنا سيكون دور الجزائر محوريا، لأنها ستقدم للويلات المتحدة معاونة لوجستية واستخباراتية، أي أنها ستقوم بنفس الدور الذي تقوم به باكستان في آسيا الوسطى، على النحور الذي اشرنا إليه من قبل. ولكن هذا السيناريو يتطلب فترة طويلة من الوقت، لا نعتقد أن الوضع المتأزم في شمال مالي يسمح به.

أما السيناريو الثاني فهو ما تسعى إليه كل من فرنسا والولايات المتحدة، وتركزت عليه جهودهما في الفترة الأخيرة، وهو حشد دعم دول الجوار لدولة مالي، مثل الجزائر وموريتانيا، لشنّ عملية عسكرية على المجموعات المسلحة، التي تسيطر على شمال مالي منذ وقوع انقلاب عسكري في تلك الدولة الواقعة في غرب إفريقيا في مارس الماضي.

والملاحظ أن قيادات القاعدة تخشى السيناريو الثاني، ولذا فإن تصريحات قادتها في الأيام الماضية انصبت على تهديد الدول المرشحة للمشاركة في العملية العسكرية، بأنها سوف تنقل عملياتها إليها أو ستنفذ عمليات تضر بمصالحها.

وأبرز التصريحات جاء على لسان رئيس اللجنة الشرعية السابق لتنظيم القاعدة، محفوظ ولد الوالد، الذي حذر من تورّط موريتانيا أو الجزائر أو غيرهما من دول الجوار الإسلامية لمالي، في الحرب المرتقبة، ضاربًا بباكستان مثلاً، والتي قال إن دعمها للحرب على أفغانستان سبب مشكلات لها قائلا: "

في باكستان قدم برويز مشرف كل التسهيلات وباع باكستان وأهلها ودينها وسيادتها، فكانت النتيجة أن باكستان دخلت حربًا أهلية نتيجة لموقفها الداعم للقوى الغازية، وأصبح القتال بين أهلها، والتفجيرات والاغتيالات فيها". وفي تحذير آخر للغرب، أبدى خشيته من أن تؤدي الحرب في شمال مالي "إلى أن تكون للقاعدة فروع أخرى، وتكوين فروع للفروع".

ولا نعتقد أن هذه التحذيرات ستلقى صدى لدى الجهات المعنية، لأن قرار التدخل قد اتخذ والحديث الآن حول التفاصيل، ومنها أي من السيناريوهين سوف يعتمد، وتبدأ بعده العمليات العسكرية.