أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حفظه الله، في زيارته الأخيرة لمحاكم دبي، أن "العدالة للجميع ولا أحد يعلو فوق القانون"، مرسخاً بذلك مبدأ "سيادة القانون" الذي يعد أهم مبدأ من مبادئ الحريات والحقوق التي أوردها دستور دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث نصت المادة 25 منه على أن جميع الأفراد لدى القانون سواء.

ولا أرى في اختيار سموه مقر محاكم دبي لإعلان هذا المبدأ، إلا ليؤكد على أهميته ودستوريته، وحِرص سموه على أن يقوم القضاء في الدرجة الأولى بصيانته، تحقيقاً لمجتمع آمن وحفظاً لدوام وعزة هذا الاتحاد.

إن مبدأ "سيادة القانون" هو أهم مبدأ دستوري تقوم عليه دساتير دول العالم، ويعتبره فقهاء القانون الدستوري معيار الحكم الصالح، وقد توسعوا في تعريفه وتنظيم عناصره كما يعلم المتخصصون من القراء الكرام. والواجب توضيحه في هذا المقام هو أن مبدأ "سيادة القانون"، يعني باختصار تكريس الاحترام المتبادل بين الأفراد من جهة، وكل صور القانون وأنواعه من جهة أخرى، لتحقيق دولة تقوم على العدالة.

وتهدف إلى التحضر والاستمرار. فعلى المشرع أن لا يسن قانوناً لا يصلح للمجتمع، وأن لا يمتنع عن إصدار قانون يحتاج إليه المجتمع، وعلى المَرافق الحكومية التي تقدم خدمات الدولة والتي تُسمى بالسلطة التنفيذية، أن لا تهدف في أعمالها إلا لتحقيق مصالح المجتمع، وأن تتنزه عند إصدارها لأي قرار إداري لتحقيق أية منافع أو مصالح خاصة.

كما يُلزم مبدأ المشروعية الفرد المخاطب بالقانون، أن لا يتجاوزه أو يعتدى عليه أو على الجهة المصدرة له، وأن يبدي له كل الاحترام وإن جاء على حساب مصالحه الشخصية، ما لم يكن في القانون ظلم أو تجاوز للمصلحة العامة، فله في هذه الحالة أن يَلجأ إلى سلطة القضاء وحدها لتقييم طلبه ورد الحق له.

كما يلزم مبدأ المشروعية السلطة القضائية أن تصون سمعة العدالة وتحفظها من كل ما قد يسيء إلى سمعتها، ثم تعطي كل ذي حق حقه وتحفظ بذلك تكامل العلاقة بين القانون والمخاطبين بتنفيذه، فتحمي المكلف بتنفيذه من جور القانون أو خطئة أو قصوره، كما تحمي القانون من مخالفة المكلفين به.

وبالإضافة إلى أن مبدأ "سيادة القانون" مبدأ دستوري، فهو أيضاً مبدأ جوهري من المبادئ التي يجب أن تُغرس في ثقافة المجتمع، ولن يكتمل تحققه كمبدأ دستوري بمجرد إلقاء مسؤولياته على المشرع وسلطتي القضاء والتنفيذ، بل يجب بداية أن يتحقق هذا المبدأ كثقافة مجتمعية في كل أطياف المجتمع، كجزء من تربية الأب لأبنائه، وكجزء من ثقافات المنزل والمدرسة والعمل وثقافات التعامل والسلوك الإنساني المختلفة، فتسري سيادة القانون على الصغير والكبير والقوي والضعيف دون استثناء، فلا يعلو أحد فوق القانون.

وأخيراً، لا يسعني إلا أن أشير إلى أن هذا المبدأ لم يبتدعه فقهاء العصر الحديث، ولم نستورده من الأنظمة القانونية الأخرى، بل هو من بضاعتنا التي ردت إلينا، فرحم الله أبا بكر رضي الله عنه حين أسس لهذا المبدأ بقوله: الضعيف فيكم قوي عندي حتى أرد عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله.