الجدل الدائر حول التدخل العسكري في شمال مالي، وحول كيفية التعامل مع الوضع هناك، وهو وضع ينذر بتأسيس دولة طالبانية في منطقة الساحل الإفريقي المهمة من الناحية الاستراتيجية بالنسبة للعالم الغربي، يؤكد أن هناك منهجين مختلفين للتعاطي مع هذا الوضع، الأول تتبناه دول في المنطقة تفهم تعقيدات الوضع وتضاريس الساحل الإفريقي، والآخر تتبناه القوى الغربية التي تتصور أن التدخل العسكري هو الكفيل بحل الأزمة الراهنة في شمال مالي، ومعها دول إفريقية تعاني من جماعات وتنظيمات موالية للقاعدة، وتعتقد أن استمرار الوضع في مالي على ما هو عليه سيمتد إلى أراضيها.

فالدول الغربية ومعها بعض الدول الإفريقية، تسعى إلى عملية عسكرية في مالي، وبذلت ضغوطا قوية على الجزائر حتى تشارك بقوات فيها.

 والأسبوع الماضي قررت المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إكواس) إرسال 3300 جندي إفريقي للمساعدة في استعادة شمال مالي، كجزء من الخطط العسكرية التي سترسل إلى الأمم المتحدة للموافقة عليها بحلول نهاية شهر نوفمبر الجاري. ومعظم هذه القوات ستكون من نيجيريا والنيجر وبوركينا فاسو، وسوف تساهم في القوات دول غرب إفريقيا الأخرى ودولتان أو ثلاث دول غير إفريقية أيضا.

وتنص الخطوط العريضة للمشروع الأوروبي حول هذا الأمر، على إرسال 250 مدربا أوروبيا إلى منطقة قريبة من باماكو، لتدريب أربع كتائب تتألف من 650 جنديا ماليا في غضون ستة أشهر.

وأعرب الوزراء في اجتماع لهم في بروكسل، عن الأمل "في أن يسارع مجلس الأمن الدولي إلى السماح بالقيام بعملية إفريقية". وكرروا تأكيد عزمهم على مساندة هذه العملية ماليا وبمهمة عسكرية "لدعم القوات المسلحة المالية وإعادة تنظيمها".

على الجانب الآخر هناك الجزائر التي تتحفظ على التدخل العسكري المباشر عامة، وبالتالي تحفظت على هذه الخطة وقالت إن القرار بشكله الحالي سيخلق أزمات كبرى في مالي وبلدان الجوار وبالطبع الجزائر. وأوضح مصدر جزائري أن تحفظات الحكومة الجزائرية مبنية على أساس أن «قرار مجلس الأمن الذي يكلّف الأفارقة بإيجاد تصور ثنائي يجمع استعمال القوة بالحوار، والجزائر ترى أنه لم يتم احترام الشق الثاني في القرار الصادر عن قمة أبوجا، وهذا الشق يقضي بإعطاء فرصة زمنية أكبر للحوار وجعل الخيار العسكري آخر الحلول».

والجزائر ظاهريا تعول على الجل السياسي للأزمة في مالي، حيث صرح وزير خارجيتها مراد مدلسي، بأن المجتمع الدولي بدأ يجنح إلى حل الأزمة الأمنية في شمال مالي سياسياً، مؤكداً أن بلاده لا تريد حرباً في جوارها، بل تريد حلاً سياسياً وهذا ممكن.

وأضاف أنه "أصبح واضحاً أن الأولوية أعطيت للحل السياسي، وهو الحل الرئيس بالنسبة إلينا وللمجتمع الدولي"، أي أن الحل العسكري بالنسبة للجزائر لا يتمثل في التدخل بقوات أجنبية، وإنما بدعم المؤسسة العسكرية المالية.

والمعروف أن الجزائر كانت ترى من قبل، أن إنهاء الأزمة في مالي متوقف على دعم قوى الطوارق التي كانت حليفا للتنظيمين الموالين للقاعدة في مالي، وهما حركتا "أنصار الدين" و"التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا"، لكنها اختلفت معهما وأصبحت تناضل حاليا منفردة بهدف الحصول على الاستقلال، وأن ذلك يتطلب دعم طوارق مالي الذين ينتظمون في حركة "تحرير أزواد"، ويكون دعم هذه الحركة عبر تقديم السلاح والدعم اللوجستي لها.

ويبدو أن الاشتباكات التي حدثت منذ أيام بين جبهة تحرير أزواد ومسلحين إسلاميين، للسيطرة على بلدة ميناكا في الصحراء في شمال مالي قرب الحدود مع النيجر، تأتى في إطار تنفيذ التصور الجزائري كخطوة استباقية قبل العملية العسكرية التي تنتظر موافقة مجلس الأمن الدولي، وهو ما يرجح احتمال أن تكون الجزائر قد سعت إلى تنفيذ تصورها عبر آلياتها المتعددة في المنطقة، وساعدت على إنجاحها للحيلولة دون تنفيذ العملية العسكرية.

وهذه الاشتباكات كما يبدو حققت نجاحات على حساب التنظيمات الموالية للقاعدة في مالي، بما جعل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يرسل لها تعزيزات، وبما مكن جبهة تحرير أزواد من السيطرة على المدينة ليمتد القتال بعدها إلى مدن أخرى.

وهذا التصور يقتضي تنفيذ اتفاق سابق تراجعت الحكومة المالية عن تنفيذه بينها وبين جبهة تحرير أزواد، تم برعاية جزائرية، وهو ما دفع الجبهة إلى التحالف مع القاعدة في مرحلة زمنية انتهت الآن.

والاشتباكات بين جبهة تحرير أزواد والجماعات الموالية للقاعدة، تسبق جولة تفاوض من المقرر أن تجرى قبل نهاية هذا الشهر بين الحكومة المالية والطوارق وهذه الجماعات، الأمر الذي يمثل ضغطا قويا على الجماعات الموالية للقاعدة، بما يجعلها تقدم تنازلات للحكومة ويجعل الأخيرة تفرض سيطرتها على شمال مالي، وإلا ستكون العملية العسكرية خيارا مطروحا، ويبدو من الاستعدادات لها ومن تجارب أخرى في الصومال واليمن، أنها ستكون بهدف القضاء التام على التنظيمات الموالية للقاعدة.

ويمكن القول إن نجاح التصور الجزائري يمكن أن يدفع الغرب إلى اعتماده وتأجيل التدخل العسكري لفترة من الوقت، وإن كانت الاستعدادات له لن تتوقف إلا بعد القضاء التام على القاعدة في هذه المنطقة، لأن ذلك أصبح خيارا استراتيجيا للدول الغربية.