زرت الإمارات العربية على متن قارب قبل أربعين عاماً خلت وجئتها هذا العام ولم أجد شيئاً تغير فيها " هي هي " فاجأني ذلك التاجر العراقي الذي يحمل على كتفيه اوزار سبعة عقود من الزمن بهذا الحديث وهنا سألته باستغراب يا عم كيف لم يتغير شيء في هذه البلاد التي شاهدتها قبل اربعة عقود وكانت مجرد شواطئ مقفرة وواحات من الرمال يصارع العيش وظروف الحياة فيها اناس طيبون كان كل زادهم الإيمان بالله وحب ارضهم اما الآن الم تلمس ان كل شيء قد انقلب وتغير فهي صارت جنة المغترب وفخر العرب وعزاً لأهلها.
فناطحات السحاب وأبراجها تعلو في الأفق وشوارعها الواسعة ونهضتها في كل جانب صارت مضرب الأمثال فكيف لم تلمس هذا التغيير الكبير، وقد مر اكثر من أربعين سنة على زيارتك الأولى لها، وأنا المقيم هنا لبضعة أعوام أجد ان كل شيء يكبر ويتطور ويختلف، حتى ان الذي يغادرها سنتين ويرجع اليها لا يعرف الشارع الذي كان يقطنه، فكيف لم تلحظ كل هذا الكم من النمو والعمران ؟
فقال يا ولدي كل الذي تقوله حقيقي ومبهر جداً لكني اقصد ان الأهم والذي لم يتبدل ويتغير هو اخلاق أهل الإمارات فمثلما قال شاعرنا العربي «فإنْ هُمُ ذهبتْ أخْلاقُهُمْ ذهبُوا»، نعم انك على حق يا عم فما عرج زائراً أو وافداً على دار زايد أو مكث على أديمها العاطر إلا وخرج بمثل هذا الانطباع، شعب يتسم بالطيبة المتناهية ويزدان بخصلة التواضع الجم والأدب الرفيع. ولعمري فما شاهدت يوما في الإمارات، مع ما حباهم الله من نعم عديدة وجها عبوساً او خدًا مصعر، ولا التقيت تاجراً إلا وكان بسيطاً صادقاً واضحاً محباً للخير والعطاء، فمن هذه القيم الأصيلة الراسخة انبثق منهج العمل والسياسة للدولة الفتية.
فلا عدوان ولا شماته بأحد، فما ألمت نازلة من نوازل الدهر بشقيق عربي أو مسلم أو أي إنسان مهما كان جنسه أو لونه إلا وكانت الإمارات سباقة في مد يد العون لإغاثة الملهوف ونجدة المحتاج، بلاد اختارت لها سياسة واقعية لا تتدخل في شأن أحد إن كان جاراً قريباً أو صديقاً بعيداً لأنها تؤمن إيماناً راسخاً بمبادئ حسن الجوار وتعميق جسور الصداقة والتعاون مع الجميع، رسمت لها هدفاً أساسياً هو السعي الدؤوب لبناء دولة النمو والرفاه لمواطنيها في المقام الأول وانتهجت وسائل العمل المرتكزة على معايير الإنجاز والصدق والجودة وصولًا الى مرحلة التميز. سياسة الإمارات حصيفة وحكيمة بعيدة النظر أنتجت استقراراً نادراً ورضاً وقبولا منقطع النظير أسهم في خلق حاضنة حقيقية للتنمية المستدامة.
أظن ان الكاتب سيسطر كلمات لا تعد عند الحديث عن المنجز الذي تحقق في هذه العقود الأربعة من عمر الزمان، رمال تحولت الى ذهب وموارد وظفت في البنيان والعمران وترقية الإنسان وهذه أبرز الغايات الإنسانية للدول كما وصفها العلامة ابن خلدون، الإمارات المتألقة دوماً وكأنها في عرس دائم تزهو بعنفوان الإنجازات ورسوخ منهج العمل الذي وضعها في مصاف الدول المتقدمة، فبناء الإنسان وتأهيله كان شغل القيادة الشاغل كما يذكر هذا دوماً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، فمن غير الإنسان المؤهل والقادر لا معنى لكل شيء فهو يبقى مدماك البناء وعقله المدبر.
حفرت الإمارات في واحد وأربعين عاماً اسمها في قلوب العرب والأصدقاء في كل ربوع المعمورة واحة للأمن والأمان والتقدم، مكنها الله من رجال قادة يعملون بصمت، هاجسهم الوحيد هو كيفية خدمة شعبهم بأفضل طريقة، تركوا الشعارات والصخب لغيرهم ممن ابتليت بهم أمة العرب ولم ينتجوا لشعوبهم سوى تخلف مزمن وخراب دائم. قادة الإمارات لا يعلنون وعداً إلا عندما يبرموه ولا وعدا إلا صدقوا فيه. شعب ابي وحكام يخافون الله في رعيتهم التي التفت حولهم وبادلتهم حباً بحب وإخلاصاً بإخلاص.
أبو ظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة ورأس الخيمة لآلئ انتظمت بألفة وتراص في عقد بهي هو الدولة التي انبثقت على يد الراحل العظيم المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأخيه الراحل الكبير الشيخ راشد آل مكتوم، فقد كانا كبيرين في شموخهما واستشرافهما للغد، فلا شيء كان يشغل الناس العظام سوى المستقبل ولا غيره، ومن ثم ماذا سيقول عنهما التاريخ، رؤيتهما وبصيرتهما الفذة أرست أسساً راسخة لقيام دولة قوية عزيزة الجانب، الإمارات قصة فخر لنجاح رؤية زعيمين خالدين هما زايد وراشد فما كان يشغلهما في تلك اللحظة من التاريخ سوى هاجس واحد أن تولد الدولة الجديدة ويشتد ساعدها، وقد لفت نظري ما تحدث به يوما لتلفزيون دبي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الأمين على حمل راية الاتحاد، فعند قرب اكتمال ترتيبات إعلان تأسيس دولة الاتحاد وانبثاق فجرها البهي في خيمة قرب ابو ظبي اجتمعا الشيخان زايد وراشد لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع الدولة.
وسمعت كلاً منهما يقول للآخر: انت تكون الرئيس، ويرد الآخر، لا أنت تكون الرئيس، بهذه الروح والتسامي والرفعة كان الرجلان العظيمان يتعاطيان مع مشاريع التاريخ. هذا التاريخ الذي سيحفظ لهما مكانة رفيعة في سفره المجيد. إنها أعظم خصال الرجال الكبار عندما يتسامون عن العناوين والمناصب ويرتقون إلى الهدف الأجل والأسمى، ولقد تولى القيادة من بعدهما رجلان بحجم قامات القائد الحكيم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، والفارس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قيادة محنكة سائرة على طريق آمن ومنهج مجبول بالقيم الأصيلة تتعامل بأخلاق الفرسان، فلله درك يا إماراتنا الحبيبة وانت تحثين الخطى للسير قدماً إلى الأمام مطمئنة من الحاضر الزاهر والغد المتألق وليحفظ الله الإمارات.