تخضع عقود الدوائر الحكومية في إمارة دبي، لقانون محلي هو القانون رقم 6 لسنة 1997م بشأن عقود الدوائر الحكومية في إمارة دبي، والذي ينظم علاقة الدوائر الحكومية في الإمارة بمن تتعاقد معهم لغرض تنفيذ الأشغال أو توريد المواد أو تقديم الخدمات.

ويعطي هذا القانون للدوائر الحكومية سلطات غير عادية في العقد، فلا ينطبق على الدائرة الحكومية ما ينطبق على غيرها في العقود التي تبرم بين أشخاص القانون الخاص، وذلك لأنها جهات حكومية تهدف إلى تحقيق مصالح عامة تجب تلبيتها وإشباعها بسرعة وكفاءة، وهذا النوع من العقود يسمى العقد الإداري.

وقد نص القانون المذكور في المادة 83 على اختصاص محاكم دبي بالنظر في النزاعات الناشئة بين الدائرة والمتعاقدين معها، وأجاز أن يخضع العقد للتحكيم داخل أو خارج إمارة دبي كما نظمته المادة 36. ووفقاً لقانون الإجراءات المدنية الاتحادي، فإن لغة المحاكم هي اللغة العربية، ويجب أن تكون المستندات مترجمة رسمياً إذا كانت محررة بلغة أجنبية، وفقاً لنص المادتين 4 و45 منه.

ولأن لغة محاكم دبي هي اللغة العربية، فلا أرى أي طائل من وراء صياغة عقود الدوائر الحكومية - التي ينص فيها على اختصاص محاكم دبي بالنظر في النزاعات التي تنشأ بين أطرافها - بغير اللغة العربية، فهذه العلاقة تخضع جبراً لقانون عربي، ونظام فقهي عربي، وقضاء عربي، ولا تعني صياغة العقود الإدارية للدوائر الحكومية بغير اللغة العربية إلا إهداراً للجهد والمال.

فصياغة العقود الإدارية باللغة الأجنبية، تتطلب أن تكون معاني المصطلحات الأجنبية متطابقة مع ما يريده المتعاقد العربي في الدائرة الحكومية، وهذا عمل صعب لا تجيده إلا شركات الاستشارات القانونية المتمكنة من كلتا اللغتين، ولا يتم إلا بتكلفة مالية مرتفعة جداً. ويزداد الإهدار عند وقوع الخلاف بين الطرفين وعرضه على محاكم دبي.

حيث تجد الدائرة الحكومية نفسها مضطرة إلى بذل الجهد والمال مرة أخرى للعودة بالعقد إلى اللغة العربية حتى تنظر فيه المحكمة، فتهدر كل ما بذلته في صياغة العقد باللغة الأجنبية، وتضع الدائرة الحكومية نفسها تحت رحمة مستوى جودة المترجم أو كفاءة الخبير الذي يندبه القاضي لتقديم تقرير الخبرة باللغة العربية، ولا يصدر حكم المحكمة أخيراً إلا باللغة العربية.

ولست أدعو إلى صياغة كل تفاصيل وبنود التعاقد باللغة العربية، لكن على الأقل يجب أن تصاغ المواد المنظمة للعلاقة القانونية بين المتعاقدين باللغة العربية، أما التفاصيل والتعاريف الفنية كمواصفات العمل وكراسة الشروط الفنية، فلا مانع من الإبقاء عليها باللغة الأجنبية وإرفاقها بالعقد، طالما أن الموظف الفني مدرك لمعانيها وما ترتبه من التزامات وحقوق على الدائرة.

وإذا اقتضت ضرورات العمل أن تتعاقد الدائرة الحكومية مع جهة خارج الدولة، أو إحدى الجهات الخاضعة لقوانين المناطق الحرة، أو إخضاع العقد للتحكيم، فيمكن في هذه الحالة أن تتم صياغة المواد المنظمة للعلاقة القانونية بين الطرفين، باللغتين العربية والأجنبية معاً، على أن يكون النص العربي هو المحكم عند الاختلاف، وأن يخضع العقد لقانون عقود الدوائر المحلية لحكومة دبي، إذا كانت الدائرة الحكومية تتعاقد بصفتها مرفقاً عاماً يهدف إلى تحقيق مصلحة عامة وإشباع حاجة عامة.

أخيراً، أنوه إلى التوجه الحكومي الذي تبناه أصحاب السمو حكام الإمارات في الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، في العديد من المحافل وتوجيهاتهم الدائمة بدعم اللغة العربية واعتماد التعامل بها في الدوائر الحكومية، الأمر الذي يدل على قناعاتهم بأنه من الممكن في هذا الشأن أن يتم التوفيق عملياً وبمرونة، بين مصالح الدوائر الحكومية ومقتضيات القانون من جهة، ومصالح المتعاملين معها من جهة أخرى.