هل أصبحت عبارة "قُتل في هجوم طائرة موجهة عن بعد" تعني "حياً يرزق"؟ إذا أوليتم الأمر اهتماماً كافياً، فإنكم ستتساءلون عما يحدث حقاً.
إليكم كيف تحصل هذه المهزلة.. تنسج منظمة إخبارية أو أكثر قصة عن إرهابي شرق أوسطي ما، قتل في هجوم طائرة موجهة عن بعد، وعادة في باكستان. والتقارير، التي يوفرها عادة مصدر غامض ما في المخابرات الباكستانية، لا تنفى ولا تؤكد من قبل المخابرات الأميركية. وبدلاً من ذلك، فإن الرد النمطي يكون قريباً من "يمكننا فقط أن نؤكد أنهم كانوا في المنطقة".
وورد أخيراً أن أبو زيد الكويتي، أحد زعماء تنظيم القاعدة، قتل بواسطة طائرة موجهة عن بعد في شمال باكستان. ورغم أن مسؤولي المخابرات الأميركية لم يؤكدوا النبأ أو ينفوه، فإن ذلك لم يمنعه من أن يتحول إلى خبر عالمي، ويسلم به على أنه حقيقة. وفي نهاية المطاف، فإنه في حال لم تكن القصة صحيحة، فهل سيطلب أحد بسحب الخبر، ومن سيفعل ذلك؟ الكويتي لن يفعل ذلك بالتأكيد، فمن المرجح أنه سيسره أن ينعم أخيراً ببعض السلام والهدوء.
وعلى مر التاريخ، دفع الناس مبالغ طائلة للتمتع بميزة الاختفاء عن وجه الأرض، غالباً دون جدوى. إنهم لم يدركوا أن كل ما كان عليهم فعله هو التوجه إلى الإرهاب، ودخول نطاق الرادار الأميركي على أنهم أهداف رئيسية.
ولا شك أن هذه القصص أصبحت جزءاً من نمط مثير للاهتمام، إن لم يكن مثيراً للشبهة. ففي سبتمبر 2010، ورد أن فهد محمد أحمد القوسو، المشتبه في تورطه في تفجير المدمرة الأميركية "يو إس إس كول"، لقي مصرعه في هجوم طائرة موجهة عن بعد. ولم تقل المخابرات الأميركية شيئاً لتأكيد ذلك الخبر أو نفيه، عدا قولها إنه كان في شمال باكستان، الذي يعج بطائرات من ذلك النوع.. ولعلكم ترون أنه من واجب المخابرات التحقق من مثل هذه الأمور. وفي 6 مايو 2012، لقي القوسو "مصرعه" الثاني في هجوم طائرة موجهة عن بعد. فهل من مصرع ثالث؟ أهذا الرجل قط بسبعة أرواح؟
وفي أكتوبر عام 2010، ورد أن أحد "سفراء" أسامة بن لادن، وهو عطية عبدالرحمن، "قتل" بواسطة طائرة موجهة عن بعد. ولكن المخابرات الأميركية، مجدداً، لم تقل شيئاً لتأكيد الخبر أو نفيه، أكثر من قولها إنه كان يتسكع في شمال باكستان. وأفيد لاحقاً أنه قتل مرة أخرى بواسطة طائرة من دون طيار، في 22 أغسطس 2011.
لا بد أن هناك حزمة إجازات ممتازة لأعضاء الجماعات الإرهابية الشرق أوسطية، ليمضوا إجازاتهم في شمال باكستان إذا كانوا على استعداد للتعرض لهجمات الطائرات الموجهة عن بعد والوفيات المتكررة.
والعضو البارز في تنظيم القاعدة سعيد الشهري، هو إرهابي آخر "قتل" على الأقل مرتين حتى الآن، في غارات جوية منفصلة؛ وقعت إحداهما، حسبما أفادت محطة "إيه بي سي نيوز"، في ديسمبر 2009، فيما وقعت الأخرى في سبتمبر الماضي، وفقاً لوكالة "أسوشيتد برس".
فهل يموت هؤلاء الرجال حقاً في مرحلة من المراحل؟ أم أن مجرد الإعلان عن وفاتهم المشكوك بأمرها يزيلهم من نطاق الرادار؟
في حالة أخرى على الأقل، اتضح أن إرهابياً يفترض أنه "ميت"، لم يزل حراً طليقاً بما يكفي لأن يبقى اسمه في قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالي لأكثر الإرهابيين المطلوبين، رغم ورود نبأ مقتله في هجوم طائرة من دون طيار في شمال باكستان عام 2010، وهو محمد علي حمادي، الإرهابي المسؤول عن عملية اختطاف طائرة "تي دبليو إيه" الرحلة 847 عام 1985، التي تم خلالها تعذيب غواص البحرية الأميركية روبرت ستيثم وقتله ورمي جثته على مدرج المطار.
هل يكترث مكتب التحقيقات الفيدرالي حقاً للقبض على هذا الهارب؟ لقد شوهد أخيراً في شمال فرنسا. ولمَ لم ينشر الصورة المتطورة التي قام بتركيبها على موقعه الإلكتروني؟ بل لمَ لَم ينشر أحدث صور حمادي المتوفرة من عام 2008، والتي تختلف بشكل ملحوظ عن تلك التي نشرها هو شخصياً؟ يشير تحقيق خاص إلى أن حمادي كان يدير عملاً ينطوي على استيراد السيارات وتصديرها بين بلجيكا ولبنان حتى يوم "وفاته". ورقم هاتفه المتحرك من تلك الفترة متوفر، في حال أراد مكتب التحقيقات الفيدرالي التحقق من ذلك.
فما الذي يمنع مكتب التحقيقات الفيدرالي من القيام بعمله؟ بالتأكيد ليست معاهدة تسليم المجرمين الموقعة بين أميركا وفرنسا، والتي تسمح بالتسليم بموافقة السلطة التنفيذية، هي ما يمنعه. وعلى ما يبدو، فإن كون الهارب على قائمة المطلوبين الخاصة بمكتب التحقيقات الفيدرالي، لا يعني إدراجه في قاعدة بيانات الإنتربول. فلمَ لا يتم إصلاح ذلك؟
وفي حال لم يعد المكتب يأبه لحقيقة أن حمادي لم يزل حراً طليقاً، فلماذا يبقيه على قائمة المطلوبين؟
عندما لا تكون المخابرات الأميركية مشغولة بقتل الإرهابيين بشكل وهمي، فقد يستحسن لها أن تحاول إلقاء القبض عليهم وتقديمهم إلى العدالة.. وهذه مجرد فكرة.