وصف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند زيارته إلى الجزائر، قبل أن تبدأ، بأنها بداية عصر جديد، بعد خمسين سنة من ذكرى استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي. ورغم أن نتائج الزيارة أحبطت الجزائريين لأن هولاند لم يعتذر عن فترة استعمار فرنسا للجزائر، واكتفي فقط بإدانة الاستعمار ككل، حيث قال إنه «ليس آتياً للجزائر للاعتذار».

مشيراً إلى أن الأهم من ذلك أنه «واع لما حدث في الماضي» وأنه «يريد المضي قدماً نحو المستقبل مع الجزائر، وأن تُفتح صفحة جديدة مع هذا البلد وتُقال الحقيقة حول الماضي والحرب وما حدث في الاستعمار»، فإن الزيارة في حد ذاتها تمثل نقلة نوعية في العلاقات الجزائرية الفرنسية.

وحسب ما تسرب عن الزيارة، فإن الجانبين ناقشا معظم قضايا المنطقة والعالم، مثل الأوضاع في مالي وليبيا وسوريا. وهذا يعني أن فرنسا المعنية كثيراً بهذه البلدان، تعطي للجزائر دوراً مهماً في تحديد سياستها، أو على الأقل تستمع للجزائر لكي تضع رؤيتها في الاعتبار، خاصة وأن قضايا الدول الثلاث يتقاطع فيها الإقليمي مع الدولي، وبعضها على جدول الأعمال في معظم المباحثات التي تجرى حالياً بين الدول الكبرى. وذلك يدل على الأهمية السياسية، وأيضاً الرمزية والاقتصادية، التي أولاها الرئيس الفرنسي لهذه الزيارة.

ورغم أن الإعلام الرسمي الجزائري نقل تصريحات عن مسؤولين، أعطت الانطباع بأن الزيارة ستكون نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين في كل الميادين، إلا أننا يجب ألا نعول على ما صدر من تصريحات أو تسرب من معلومات عن الزيارة لكي نتنبأ بمستقبل باهر للعلاقات الفرنسية الجزائرية، فمن قبل كان الرئيس السابق جاك شيراك قد استقبل بحفاوة في الجزائر في عامي 2003 و2004.

لكن في السنة التالية أدى صدور قانون فرنسي يهدف إلى إدراج الدور الإيجابي للاستعمار في المناهج المدرسية الفرنسية، إلى فتور العلاقات الفرنسية ــ الجزائرية لفترة طويلة. كذلك أثار نيكولا ساركوزي إعجاب الجزائريين لدى زيارته في ديسمبر 2007، لكن قيامه بزيارة جمعيات من الحركيين، وهم الجزائريون الذين حاربوا إلى جانب فرنسا في حرب التحرير، قطعت مسار التحسن.

وهذا يعني أن التنبؤ بمستقبل العلاقات بين البلدين يجب ألا يكون متسرعاً، وإنما ينبغي أن نشاهد تحولات وتفاعلات على الأرض لكي نتأكد من مسار التحول واتجاهاته. فمن جهة تدرك فرنسا أنها تحتاج إلى الجزائر في الوقت الراهن، لأن دورها محوري في أي تحرك بشأن الوضع في شمال مالي، سواء أكان سلماً أم حرباً. ومن جهة ثانية فإن فرنسا تعول على الجزائر في موضوع غاية في الأهمية، وهو "أمن الطاقة الفرنسي".

فالزيارة ركزت على الجوانب الاقتصادية، خاصة ما يتعلق بتعزيز الاستثمار الفرنسي ونقل خبرة الإدارة، فضلاً عن رسم خارطة التزام جزائري بضمان الطاقة لفرنسا للعقود المقبلة. وحسب تصريحات لمسؤولين فرنسيين، فإن الرئيس هولاند والفريق الحاكم في باريس، يأمل تحقيق ما عجز عنه كل من فرانسوا ميتران عام 1984 وجاك شيراك عام 2003، حين فشلا في كسب «معركة الغاز» الجزائري.

فكلاهما عرض في وقته شراكة استراتيجية طويلة الأمد بين شركة «سوناطراك» النفطية الجزائرية و«غاز دو فرانس»، لتوفير مصدر دائم وموثوق للطاقة في فرنسا، يبعد عنها شبح أزمات الطاقة. ويبدو أن هولاند حضّر جيداً لهذه المعركة، وربما كسبها بأقل ثمن، إذا ما وضعنا في الاعتبار التصريحات المشجعة من الجانب الجزائري.

أما المقابل الذي قدمه هولاند للحصول على مراده، فهو أن السلطات الفرنسية أعطت إشارات حسن نية حول رغبتها في معالجة بعض القضايا الثنائية المعلقة، من خلال العودة لمناقشة اتفاقيات 1968 التي تمنح الجزائريين المقيمين بفرنسا امتيازات استثنائية عن باقي الأجانب.

فضلاً عن اصطحاب الرئيس هولاند لوفد كبير من الوزراء والمستشارين ورؤساء الشركات والبنوك الكبرى ورجال الأعمال، الأمر الذي فتح الطريق أمام بحث عشرات من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون، ستجري مناقشتها وصياغتها النهائية لاحقاً وتوقع تباعاً في العاصمتين. وهذه المشروعات قد تكسر الجمود الذي اكتنف علاقات البلدين خلال رئاسة ساركوزي، والذي أدى إلى خسارة فرنسا لموقعها الاقتصادي التقليدي في الجزائر، لصالح شركاء جدد في مقدمتهم الصين.

ويمكن القول إن الموقف من الوضع في شمال مالي، سيكون هو المحك لنجاح الزيارة من عدمه، ذلك أن هذا الأمر له أبعاد استراتيجية مهمة بالنسبة للبلدين، وإن كان لكل منهما موقف مختلف حول كيفية التعاطي مع الأزمة.

 فقبل زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر قال وزير الداخلية الفرنسي، الذي زار الجزائر قبل ذلك، إنه اتفق مع المسؤولين الجزائريين على نقطتين مهمتين في التعامل مع الأزمة في مالي، هما ضرورة الحفاظ على الوحدة الترابية لهذا البلد، وكذا مواصلة محاربة الإرهاب في المنطقة. والمعروف أن كلا البلدين لديه رؤية مختلفة حول طريقة تحقيق أي من الهدفين. ففرنسا مع التدخل العسكري السريع، والجزائر مع الحل السياسي.

فهل نجحت زيارة هولاند في تقريب وجهات النظر حول هذا الملف؟ هذا ما ستجيب عليه أحداث القريب العاجل.