حسبما تقوله وسائل الإعلام، فإن كل الأنظار موجهة إلى الهاوية المالية. فأي الجانبين يسعى للحلول الوسط وأيهما لا يفعل ذلك؟ ما هو الجانب الذي تعتبر أرقامه منطقية؟ وكيف يمكن هيكلة الأصوات في مجلسي النواب والشيوخ لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية؟ وماذا ستكون الصفقة في نهاية المطاف؟ والأهم من ذلك كله، أي الجانبين سيفوز وأيهما سيخسر؟
هل تجتاح هذه الدراما الكبيرة أميركا بأكملها؟
في الواقع، فإن واشنطن والوسط الإعلامي هما وحدهما المصابان بالذهول. أما بقية أميركا فلم تزل منهمكة بالسعي للنجاح في ظل اقتصاد متعثر - وهو الاقتصاد نفسه الذي سيظل متعثراً بعد فتح زجاجات الشراب بمجرد الإعلان عن الصفقة المالية، بصرف النظر عما قد تكونه، بعد أسابيع قليلة.
وفي حقيقة الأمر، فإنكم، أينما نظرتم، ستجدون نذر شؤم تهدد برمي اقتصادنا المتعثر في هاوية أكبر بكثير من تلك المتوقعة يوم 31 ديسمبر المقبل. ومع ذلك، فإنه لا يبدو أن أياً من قادتنا السياسيين ينظر إلى ما وراء الهاوية، ناهيك عن التخطيط لما سيحدث لاحقا. ولا أحد يتحدث عن خطة لنمو حقيقي. وفي الوقت الراهن، يتوقف حديثنا كله عند حافة الهاوية. ولكن مشكلاتنا، لسوء الحظ، لن تتوقف.
لقد حلت تغطية الهاوية المالية وكأنها سباق للخيول محل تغطية الانتخابات الأميركية بالطريقة ذاتها. وتماماً كما تم تجاهل المشكلات الحقيقية إلى حد كبير في الأخيرة، فإنه يتم تجاهلها أيضاً في الأولى، إلى درجة أنه في حال ذُكر النمو والوظائف على الإطلاق، فإن ذلك يكون بمثابة مادة لمباراة كرة القدم السياسية.
وكتب جوناثان وايزمان في صحيفة "نيويورك تايمز" يقول: "لقد ركز الديمقراطيون والجمهوريون على أعداد الوظائف في نوفمبر الماضي، أخيراً، للضغط من أجل التوصل إلى تسوية بشأن صفقة لخفض العجز. فقد أعطى تقرير الوظائف كلا الجانبين نقطة حوار جديدة للضغط من أجل الحصول على تسوية".
غير أن تلك الأعداد، جنباً إلى جنب مع غيرها من المؤشرات الاقتصادية، تقدم أكثر بكثير من مجرد نقاط حوار. فهي تقدم صورة قاتمة جداً عن الاقتصاد، وليس الاقتصاد الأميركي فحسب، وهو يتجه نحو منحدر حاد جداً. وهي مقياس للمدة الطويلة التي ظل خلالها اقتصادنا راكداً، ولتوقعاتنا التي باتت منخفضة للغاية إلى درجة أن أعداد الوظائف الأخيرة قُدمت على أنها أمر إيجابي "معدل البطالة يهبط إلى أقل مستوى له منذ أربع سنوات!"
صحيح أن معدل البطالة انخفض إلى 7,7%، وأنه قد تمت إضافة 146 ألف وظيفة جديدة، ولكن الانخفاض في معدل البطالة نجم إلى حد كبير عن مغادرة الناس لسوق العمل، نظرا لأن ما يقدر بـ350 ألف منهم توقفوا حتى عن البحث عن عمل، متسببين في انخفاض نسبة مشاركة اليد العاملة المدنية إلى 63,6%، وهي أقل نسبة منذ ما يقرب من 30 سنة.
وبالإضافة إلى ال12 مليون الذين تم احتسابهم كعاطلين عن العمل، فقد أصبح هناك الآن ما يقرب من 4 ملايين أميركي إما غادروا سوق العمل، أو لم يحاولوا دخوله بعد تخرجهم من المدرسة. وقد جلس ما يقرب من 5 ملايين أميركي بلا عمل لمدة ستة أشهر أو أكثر، مشكلين 40% من نسبة العاطلين عن العمل.
وكما يشير دين بيكر، فإن متوسط النمو للشهرين الماضيين، الذي عدل انخفاضاً بما يقرب من 50 ألف فرصة عمل، يجعل المعدل للأشهر الثلاثة الماضية لا يزيد على 139 ألف وظيفة جديدة. وقد كتب بيكر يقول: "إن الاستمرار على الوتيرة الحالية يعني أننا لن نرى الاقتصاد يعود إلى التشغيل الكامل للعمالة حتى عقد آخر من الزمن".
وبعيداً عن خوض نقاش حول النمو، فإن كل ما نتحدث عنه حالياً هو كيفية تجنب أحدث كارثة جلبناها لأنفسنا. وما تتم مناقشته بالفعل حالياً هو كيفية الحفاظ على الوضع الراهن. والوضع الراهن، الأكثر من الصفر بقليل، ليس جيداً جداً. وفي الواقع، فإنه يمثل كارثة مطلقة بالنسبة للملايين.
لذا، نعم، دعونا نفترض أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيفوز، كما يبدو مرجحاً، في لعبة شد الحبل السياسية القائمة حالياً. فما الخطوة التالية؟ ما هي الخطة لفترته الرئاسية الثانية؟ القفز فوق سلسلة من المعايير المنخفضة الموضوعة من قبل الجمهوريين ليس كافياً. وفي حين أن تفادي الهاوية المالية ليس بالإنجاز الصغير، وأن القيام بذلك هام جداً، فإنه ليس كافياً.
فتجنب التراجع لا يضاهي إيجاد النمو. ومع ذلك، فإن الوقت الأمثل لمبادرة الرئيس إلى إنجاز الأمور هو بداية فترته الرئاسية الثانية، قبل هيمنة المناورات السياسية المرتبطة بانتخابات التجديد النصفي على النقاش.
وفي حين أن تحريك عجلة الاقتصاد الأميركي، وعكس تراجع الطبقة الوسطى سيتطلبان جهداً وطنياً كبيراً، فإنهما سيحتاجان إلى محادثة أكبر، وأجرأ، وأكثر تطلعاً إلى المستقبل من تلك التي نخوضها حالياً. وفي حال كان كل ما نركز عليه هو من يكسب المعارك السياسية كالمعركة بشأن الهاوية المالية وستكون هناك معارك أخرى بلا شك فإننا جميعاً سنخسر.
رئيسة تحرير صحيفة «هافينغتون بوست» الأميركية