إذا انطوت الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأميركي باراك أوباما على اتخاذ قرارات جريئة وذكية كقرار ترشيحه لتشاك هاغل لمنصب وزير الدفاع، فقد تفي رئاسته أخيرا بوعد الجرأة والتغيير الذي حشد الكثيرين لحملته الانتخابية قبل خمس سنوات. وفي حقيقة الأمر، فإنه كلما ازدادت المزاعم التي يطلقها منتقدو هاغل سخافة، اتضحت بجلاء الأسباب الحقيقية لعدم رغبتهم في استلامه المنصب، كما اتضحت الحكمة الكامنة في هذا الخيار.

وتدور الإشاعة الأحدث حول "مزاجيته" المفترضة. وقد أطلق هذا الاتهام أخيرا من قبل عضو مجلس الشيوخ عن ولاية تينيسي بوب كوركر لدى ظهوره على محطة "إيه بي سي"، في برنامج "هذا الأسبوع مع جورج ستيفانوبولوس". حيث قال كوركر: "أعتقد يا جورج أنه من الأمور الأخرى التي ستطفو على السطح مزاجيته بشكل عام، فهل هو أهل لإدارة وزارة أو وكالة كبرى أو هيئة كبرى كالبنتاغون؟".

وبالنظر إلى أن ذلك الاتهام كان جديدا، فقد سأل ستيفانوبولوس، متشككا بعض الشيء: "هل لديك شكوك حول مزاجه؟" فأجاب كروكر بقوله: "أعتقد أن هناك أعدادا من العاملين الذين يتقدمون الآن ليتحدثوا عن طريقة معاملته لهم فحسب".

آه نعم، مزاجيته. إنها نسخة رجالية حديثة من الملاحظة الساخرة القديمة التي كانت توجه للنساء، مشيرة إلى أنهن قد يكن تحت "تأثير ما قبل الدورة الشهرية"، وبالتالي فإنه لا ينبغي وضعهن على مقربة من المعدات العسكرية المخصصة للرجال.

وأنا لا أقول الآن إن تشاك هاغل مثالي أو إنني أؤيد كل المواقف التي اتخذها في حياته، ولكن القيادة لا تتعلق بمطابقة قائمة مرجعية ما. إذ يجري ترشيح هاغل لمنصب معين، وهو، لهذا المنصب، لديه سجل قوي. وهذا هو بالضبط السبب في أن منتقديه يتعلقون بقشة، لأنهم لا يريدون مناقشة هذا السجل، أو ما يدور حوله هذا النقاش حقيقة، وهو حرب العراق.

نعم، لقد صوت عضو مجلس الشيوخ هاغل آنذاك لصالح قرار التفويض بخوض تلك الحرب. ولكنه حتى قبل التصويت، أعرب عن عدد أكبر من التحفظات مقارنة بمعظم زملائه. فقال في عام 2002: "يمكنك أن تقود البلاد إلى الحرب بسرعة كبيرة، ولكنك لا تستطيع إخراجنا بالسرعة ذاتها، والشعب بحاجة إلى معرفة المخاطر".

وفي كتابه الذي صدر عام 2008 تحت عنوان "أميركا: فصلنا المقبل"، ذكر هاغل أنه صوت لصالح تفويض القوة العسكرية باعتباره خيارا أخيرا فحسب، ولكن إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش لم تحاول "بذل جميع الجهود الدبلوماسية،" وأن "الأمر برمته يعود لحقيقة أنه طلب منا التصويت على قرار مبني على أنصاف حقائق، وأكاذيب، وتفكير بالتمني ".

وإذا كنتم تشكون في ما إذا كانت آراء هاغل تتعارض مع الحكمة التقليدية، على الأقل في واشنطن، فما عليكم إلا مشاهدة المعارضة الهستيرية اليائسة لترشيحه. وليس الأمر يتعلق بمزاجه، أو بالإجهاض. ولكنه يتعلق بالمسار الذي سلكته السياسة الخارجية الأميركية في بداية العقد الماضي، بتوجيه المحافظين الجدد. وكما يقول جيم روتنبرغ من صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن: "الحملة التي تشن الآن ضد ترشيح هاغل لمنصب وزير للدفاع تشكل في بعض جوانبها إعادة محاكمة لذلك الصراع القائم منذ عقد من الزمان."

وهو محق - إلى حد ما. وأعتقد انه أخطأ حين قال إعادة محاكمة، لأن الكارثة التي تمثلت، ولم تزل تتمثل، في حرب العراق لم تحاكم على الإطلاق في المقام الأول. ونحن لم نخض ذلك النقاش حقيقة أبدا. ولم يتعرض أولئك الذين خططوا لها (على نحو سيئ) ونفذوها (على نحو أسوأ) للمساءلة قط. وهم الذين يحاولون الآن نسف فكرة أن شخصا حذرا بشأن إرسال جنودنا للموت قد يلعب دورا في هذا القرار.

غير أن أدنى مستوى وصل إليه منتقدو هاغل تمثل في تلميحهم، بل وادعائهم صراحة بأنه معاد للسامية. ويقود هذا الاتهام الافترائي إليوت أبرامز. وهو الآن زميل في مجلس العلاقات الخارجية، ولكنكم قد تذكرونه بصفته الرجل الذي أدين عام 1991 بتهمتي حجب معلومات عن الكونغرس (وقد عفي عنه من قبل الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش).

ويدعي أبرامز أن هاغل: "يبدو وكأن لديه مشكلة ما مع اليهود،" وهو، في مجلة "ويكلي ستاندرد"، يقدم كدليل "شهادة الجالية اليهودية التي عرفته على النحو الأمثل: سكان نبراسكا. ويبدو أن السجل لم يلق أي اعتراض: إذ يقول الناشطون والمسؤولون اليهود في نبراسكا إنه كان معاديا، ولم يتقدم أحد، بمن في ذلك أنصار أوباما وناشطو الحزب الديمقراطي، لمواجهة هذا الادعاء."

وفي الواقع، فقد لقي ذلك الادعاء اعتراضات عدة، أحدها من جانب الناشط غاري جافيتش، الذي، وفقا لمجلة "فورورد": "يعده السكان المحليون خبيرا في المشهد السياسي اليهودي المحلي." وعلى الرغم من أن جافيتش ليس من محبي هاغل، فإنه، حين سألته مجلة "فورورد" عما اذا كان يعتقد أن هاغل كان منحازا ضد اليهود، أجاب قائلا: "لا".

وقال أيضا إن: "المرء، لتوجيه مثل هذا الاتهام، يجب أن يكون حذرا للغاية"، وإن هاغل لم يظهر أي شيء من ذلك القبيل في جميع الاجتماعات التي حضرها معه.

وبالطبع، فإن السبب في أن معارضي هاغل يائسون للغاية ويركزون إلى حد كبير على القضايا الجانبية أو الاتهامات الملفقة هو أنهم لا يريدون نقاشا من شأنه أن يسلط الضوء على فشلهم الكارثي المذهل في العراق. ويقول ريتشارد أرميتاج، الذي كان نائبا لوزير الخارجية الأسبق كولن باول: "إن هذا هو أسوأ كوابيس المحافظين الجدد، فقد أصبح لدينا جندي مقاتل، ورجل أعمال ناجح، وعضو في مجلس الشيوخ يعتقد فعلا بإمكانية وجود سبل أخرى لحل بعض المسائل عدا عن القوة ".

إنه كابوس بالنسبة للبعض، ولكنه تغيير مرحب به بالنسبة لأميركا.