قال رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ذات مرة: "لقد جربت الفشل بصفتي سياسيا". وفي جولته الثانية باعتباره رئيسا للوزراء، يصر آبي على تجنب أخطاء الماضي، بدءا من كيفية التعامل مع الاقتصاد الياباني الراكد.

ويسمي آبي نهجه بـ"السهام الثلاثة"، التي تشمل تخفيف القيود النقدية، والاستثمارات العامة، والإصلاحات الهيكلية. وهي، حسب اعتقاده، قد تنجح إذا ما أطلقت كل على حدة، ولكنها لن تقهر إذا أطلقت معا.

ومن لحظة وصوله إلى السلطة، اتخذ رئيس الوزراء الياباني نهجا مختلفا عن ذاك الذي اتخذه قادة الغرب، بما في ذلك قراره باستبدال ماساكي شيراكاوا، الرئيس الحذر لبنك اليابان، بهاروهيكو كورودا، وهو المسؤول السابق في وزارة المالية الذي تلقى تدريبه في جامعة أوكسفورد، والذي التزم بفعل "كل ما يلزم" لجعل النمو الاقتصادي أولوية.

وتعتزم حكومة آبي وضع اللمسات الأخيرة على خطتها للنمو، قبل انتخابات المجلس الأعلى للبرلمان الياباني التي ستعقد في يوليو المقبل.

وستشمل هذه الخطة تقديم الدعم للأشخاص الذين يرغبون في تغيير مهنهم، وتخصيص حوافز ضريبية للابتكار، ورفع القيود التي تواجه مقاومة قوية من جانب المؤسسات الزراعية والطبية.. وقد كافأ الجمهور جرأة آبي بنسبة تأييد تبلغ 70%.

 ومن بين أقوى مؤيدي آبي النساء، اللاتي دافع عن قضيتهن. وقد سألته عن قوله إن النساء يمثلن أكثر موارد اليابان "حاجة للاستغلال"، وخططه لمعالجة هذا الأمر، فأجاب: "اسمحوا لي أن أبدأ بحزبي الديمقراطي الليبرالي. للمرة الأولى في تاريخ الحزب، يكون اثنان من أصل أعضاء المجلس التنفيذي الثلاثة من النساء".

وسألته عما إذا كان يخطط لاستخدام نفوذ المنصة فحسب، أم ينوي اقتراح التشريعات أيضا، فقال: "عندما تبذل الشركات جهدا لتسهيل عودة النساء إلى وظائفهن بعد إجازة الأمومة، فإنني أفكر في تدابير مختلفة، تتراوح بين الإشادة علنا بتلك الجهود وبين تخفيف الضرائب".

ونظرا لطول ساعات العمل في اليابان وندرة مرافق رعاية الأطفال، فإن النساء يجدن صعوبة في البقاء في سوق العمل بعد الإنجاب.

وقال آبي أخيرا: "الحقيقة المرة هي أن الأمر بالنسبة لمعظم النساء، أصبح خيارا بين إنجاب الأطفال والعمل".

ونتيجة لهذا، فقد عانت اليابان من أسرع تراجع سكاني على مستوى العالم، وشهدت، العام الماضي، أكبر انخفاض سكاني (حوالي 300 ألف نسمة) منذ بدء حفظ السجلات في خمسينات القرن الماضي.

وفيما ينظر آبي إلى تعزيز المشاركة الاقتصادية للمرأة على أنه أمر ضروري لانتعاش اليابان، فإنه ينظر إلى النمو الاقتصادي وخفض البطالة على أنهما ضروريان للتصدي لوباء الاكتئاب المتفشي بين الشباب اليابانيين، والذي يؤدي إلى انتحار أعداد كبيرة منهم كل عام.

وحول ذلك قال لي: "لقد كان معدل الانتحار في اليابان في ازدياد على مدى السنوات الـ10 الماضية أو نحو ذلك، ولكننا في الآونة الأخيرة بدأنا نشهد انخفاضا. لقد كانت الحالة الاقتصادية في اليابان عاملا مساهما في شعور الناس بالقلق والاكتئاب".

وحين سألته عن الأمور الأخرى التي بات يفعلها بشكل مختلف عن المرة الأولى، رد قائلا: "لقد تعلمت أن أصغي للناس بدرجة أكبر، لكي أطابق رغبات الشعب مع سياسات حكومتي".

ولعل هذا هو السبب في أن آبي احتضن وسائط الاتصال الاجتماعي بشغف، وهو ما يثير الدهشة بالنسبة لزعيم سياسي ياباني، نظرا لأنه قبل أن تغير حكومته القانون، كان من غير القانوني أن يوجه المرشحون في الانتخابات رسائلهم إلى الناخبين مباشرة عن طريق الإنترنت. وفي هذا الصدد قال لي: "بفضل التغيير في قانوننا، أصبح بإمكاننا الآن نشر وجهات نظرنا على وسائط الاتصال الاجتماعي، وهو أمر هام بالنظر إلى صعوبة إيصالنا لرسائلنا عبر وسائل الإعلام التقليدية".

ونظرا لوصول عدد معجبيه إلى 340 ألفا في "فيسبوك"، ووصول عدد متابعيه إلى 100 ألف في "تويتر"، فإن آبي يواظب على استخدام هذين الموقعين و"لاين"، وهي شبكة اجتماعية محلية، للاتصال بالجمهور بصورة مباشرة.

وقد قال: "لا شك في أنها محادثة ذات اتجاهين، إذ إننا نحتاج للرد على الرسائل التي تردنا بقدر ما نحتاج إلى إرسال رسائلنا الخاصة".

وفي حين أن سياسات آبي الاقتصادية (المعروفة شعبيا باسم "آبينوميكس") حظيت بتأييد واسع داخل اليابان وخارجها، فقد قوبلت محاولاته لإعادة النظر في الدستور الياباني بالانتقاد والتخوف، في الداخل والخارج على السواء. وعندما سألته عن هذا، قال إن ما أراد القيام به هو استخدام الاستفتاء الوطني لإعطاء الشعب الياباني فرصة لأن يكون له رأي في دستوره.

ومع ذلك، فإنه لا تزال هناك مخاوف من أن تغيير المادة 9 من دستور ما بعد الحرب العالمية الثانية، للسماح للجيش الياباني بالتحرك في الخارج، من شأنه أن يعزز عودة خطيرة للقومية التي، جنبا إلى جنب مع الادعاءات التحريفية حول دور اليابان في الحرب العالمية الثانية، يمكن أن تشكل إلهاء خطيرا عن جهود آبي لإنعاش الاقتصاد الياباني.

وفي الوقت الراهن، فيما تتخبط الولايات المتحدة وأوروبا مقيدتين بسياساتهما التقشفية، تسير اليابان تحت شينزو آبي على مسار جريء لإحياء اقتصاد محتضر، ونشر الخبر عبر "فيسبوك" و"تويتر".