بمبادرة من مركز الدوحة لحرية الإعلام، احتضنت العاصمة القطرية على مدى ثلاثة أيام، في يونيو المنصرم، اجتماع خبراء التربية الإعلامية والمعلوماتية، للوقوف على آخر التطورات في هذا المجال، والخروج بتوصيات للنهوض وتطوير التربية الإعلامية والمعلوماتية في المنطقة العربية.

الكلام عن التربية الإعلامية يقودنا لطرح عدة تساؤلات، منها: ما المقصود بالتربية الإعلامية؟ وما هو وضعها في العالم العربي؟ ما هي الرهانات؟ وما هي التحديات؟ ومن المسؤول عنها؟ وزارة التربية، أولياء الأمور، المؤسسات الإعلامية، أقسام وكليات الإعلام والاتصال، المجتمع المدني... إلخ؟ لماذا نحتاج إلى التربية الإعلامية والوعي الإعلامي؟ وإذا احتجنا إلى هذا الوعي وهذه الثقافة الإعلامية، ما هي السبل والطرق والوسائل لتحقيق ذلك؟ أسئلة كثيرة ورهانات وتحديات أكبر.

في البداية، تجب الإشارة إلى أن الفرد في المجتمع يتعرض يومياً إلى كم هائل من الأخبار والمعلومات والإعلانات، عن طريق وسائل إعلام عديدة ومختلفة.

كما تجب الإشارة هنا إلى أن وسائل الإعلام المختلفة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ما يعني أن العديد من الأفكار والصور والمعلومات نستقيها من هذه الوسائل، وهذه الصور والمعاني تحدد لنا في غالب الأحيان كيف نتصرف وكيف ننظر إلى الآخر ونتعامل معه. والخطير في الأمر، هو أن ما تقدمه وسائل الإعلام، ليس كله بريئاً وصحيحاً وخالياً من التسييس والتوجيه.

فحتى أفلام الكارتون الموجهة للأطفال وبراءتهم، تحتوي على 70% من مشاهد العنف، كما أن صناعة الأخبار والمواد الترفيهية الغربية، وخاصة الأميركية، تقوم على ثلاثية الجنس والعنف والجريمة. من جهة أخرى، تجب الإشارة هنا إلى أن أطفالنا ببلوغهم الثامنة عشرة، يكونون قد قضوا أمام شاشة التلفاز وقتاً يفوق الوقت الذي قضوه على مقاعد الدراسة.

من هنا تأتي أهمية موضوع التربية الإعلامية والوعي الإعلامي، حتى يعرف أفراد المجتمع كيف يتعاملون مع مختلف وسائل الإعلام، وكيف يستفيدون منها، وكيف يسخرونها لتنمية وتطوير معارفهم وثقافتهم.

فالتطور الذي عرفته البشرية عبر العصور، من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي إلى مجتمع معلوماتي، أدى إلى انتشار وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، ما أثر في طريقة تفكير البشر وتصرفاتهم وسلوكهم ونظرتهم للمجتمع الذي يعيشون فيه، وكذلك نظرتهم للآخرين.

والمقصود بالتربية الإعلامية، أو كما يشاء البعض تسميتها بمحو الأمية الإعلامية، والمصطلح باللغة الإنجليزية Media literacy، هو امتلاك المهارات والفهم والوعي الكامل للتعامل مع وسائل الإعلام المختلفة، بوعي وذكاء ومسؤولية.

فالسبيل الأمثل لتحقيق التربية الإعلامية أو الوعي الإعلامي أو الثقافة الإعلامية، هو تدريس الإعلام في المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة، لحماية الأطفال من أضرار الإعلام، وتدريبهم على التفكير النقدي والتحليلي في تعاملهم مع المنتجات الإعلامية المختلفة، إذ تقوم التربية الإعلامية على الوعي بتأثير وسائل الإعلام على الفرد والمجتمع، وفهم عملية الاتصال الجماهيري، وتنمية مهارات واستراتيجيات تحليل ومناقشة الرسائل الإعلامية، وإدراك المحتوى الإعلامي، كعنصر يمد ويزود الأفراد ببعدهم الثقافي وانتمائهم الحضاري، وتنمية القدرة على فهم وتقدير المحتوى الإعلامي، والقدرة على إنتاج رسائل إعلامية فعالة ومؤثرة.

ولتحقيق التربية الإعلامية، يجب تتبنى الفكرة وتؤمن بها وتعمل على تحقيقها. وهنا يجب التركيز على الجهة المحورية والرئيسة في العملية، وهي المدرسة. فالمطلوب هو إدماج موضوعات التربية الإعلامية ضمن المقررات الدراسية المختلفة، والمؤسسات الإعلامية مطالبة كذلك بالمساهمة في العملية.

أولياء الأمور من جهتهم، مطالبون بالاهتمام بتثقيف وتوجيه أبنائهم للتعامل الواعي والمسؤول مع وسائل الإعلام.

وهناك تحديات كبيرة تواجهها المنطقة العربية في موضوع التربية الإعلامية، ومن أهمها أن الدول العربية ما زالت متأخرة، مقارنة بالدول الأخرى.

ففي الوقت الذي نلاحظ فيه انتشاراً كبيراً وسريعاً لمختلف وسائل ووسائط الإعلام والمعلومات، واستخدام مكثف وكبير لها من قبل الناشئة، نرى أن المسؤولين والتربويين وصناع القرار غير مهتمين بالموضوع كما ينبغي. وهذا ما يتطلب ضرورة وضع استراتيجية وطنية للتربية الإعلامية، تشارك فيها كل الجهات المعنية، لمعالجة الموضوع وإعطائه الأهمية التي يستحقها.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن اجتماع خبراء التربية الإعلامية الذي انعقد في قطر مؤخراً، اختتم بإعلان الدوحة الذي تضمن أربع عشرة توصية، من أهمها تشكيل لجنة لتطوير التربية الإعلامية والمعلوماتية في الشرق الأوسط، وتأهيل أساتذة المدارس في هذا المجال، واعتماد مبادرات لتطوير التفكير النقدي. وأملنا أن يجد إعلان الدوحة آذاناً مصغية لدى المسؤولين في الدول العربية، للنهوض بالتربية الإعلامية والمعلوماتية وتطويرها.