أسدل الستار قبل أيامٍ قليلة على أكبر وأخطر قضية مرت على القضاء الإماراتي، بل والمجتمع الإماراتي بأكمله، ذلك أننا في دولة العطاء والرفاه والسعادة والقانون، لم نعتد على هكذا قضايا تمس استقرار الوطن، وتهدد الأمن الوطني، وتزرع الفتن والقلاقل، وتنشر الكراهية بين أبناء الشعب الواحد.

وإضافة إلى ذلك، فإن تشكيل تنظيم سري غير مشروع بأيدٍ إماراتية، هو أمر غريب في حد ذاته في بلد يضع الإنسان على رأس أولــوياته واهتماماته، حيث يكون المواطن أولاً وثانياً وثالثاً، خصوصا وأن دولة الإمارات تتبوأ المراكز الأولى في مختلف الميادين التنموية والإنسانية، وتعيش ربيعا تنموياً مزدهراً منذ لحظة التأسيس إلى ما شاء الله من أيام وسنوات. وليس حصولها على المركز الأول عربيّاً والمرتبة الـ17 على مستوى شعوب العالم لمؤشرات السعادة والرضى بين الشعوب، في المسح الأول الذي أجرته الأمم المتحدة وأعلنت نتائجه في شهر إبريل من العام 2012، إلا دليل راسخ على أن الإنسان في دولة الإمارات هو الغاية والهدف والمحور الأساسي للتنمية الوطنية الشاملة والمستدامة.

فبعد محاكمات دامت نحو أربعة أشهر، واتسمت بسلامة الإجراءات وجدية التقصي والتحقيق والنظر في الموضوع، قضت محكمة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا، ببراءة 25 متهما ومتهمة من مجموع 94 في القضية كلها، وبالسجن 15 سنة على 8 متهمين هاربين، و10 سنوات على 56 متهما، ومعاقبة 5 متهمين بالسجن لمدة 7 سنوات.

وفي واقع الأمر، فإن هذه المحاكمة جاءت عادلة كما رأيناها، حيث جمعت بين الرحمة والتسامح من جهة والحزم القضائي من جهة ثانية، كما برهنت على نزاهة واستقلال القضاء في الدولة، وهذا ليس بشهادتي فقط وإنما بشهادة محامي الدفاع أنفسهم، فضلاً عن ممثلي وسائل الإعلام المحلي ومنظمات المجتمع المدني الوطنية، الذين حضروا وقائع المحاكمات منذ بدايتها، بالإضافة إلى أهالي المتهمين والمتهمات، وبالتالي لا يستطيع كائن من كان المزايدة علينا في هذا الجانب.

كيف لا، والإمارات بلد التسامح والشفافية والعدالة، وهي الحاصلة على المرتبة الأولى على صعيد المنطقة العربية ودول الشرق الأوسط والمرتبة الـ13 على المستوى العالمي، وفق برنامج العدالة الدولية لعام 2011 باعتبارها الدولة الأكثر شفافية في نظامها القضائي، كون العدل وشفافية القضاء من المرتكزات الأساسية التي تكفل للإنسان حياة كريمة ومستقرة.

لقد طويت صفحة "التنظيم السري"، بعدما قال القضاء كلمته العادلة، فأدين من أدين، ونال البراءة من نالها وهو حقيقٌ بها، فالمدانون نالوا جزاءهم العادل بما اقترفته أيديهم، وهي فترة حكم كافية لمراجعة أنفسهم وتصحيح أفكارهم وتوجهاتهم، ليجدوا في انتظارهم الحضن الدافئ كما عهدناها إمارات الخير والمحبة والسلام.

وأما المبرّؤون فأهلاً بهم في مجتمعهم المتسامح الأصيل، فهم في وطنهم أحرار وفي مجتمعهم أبرار، وسنعمل معاً جنبا إلى جنب ويداً بيد لتجاوز آثار الماضي، وسنتشارك معاً في مسيرة البناء والتنمية لرفعة الوطن وتقدمه وازدهاره.

ورغم ذلك، فإن للتاريخ كلمته في هذه القضية أيضا، والتي سُجلت في صفحات تاريخ الإمارات المعاصر، لا لشيء إلا لدواعي استخلاص العبر والدروس المستفادة من هذه التجربة الموجعة بطبيعة الحال.

لذلك أرى من وجهة نظري، أن هذه التجربة جديرة بأن تُدرج ضمن المناهج التربوية والتعليمية الوطنية، سواء في المدارس أو الجامعات، لتتعلم منها الأجيال تلو الأجيال، وتتخذها درساً وطنياً ونبراساً ينير بصائرها وأفئدتها، وتكون الحصن الحصين ضد مثيري الفتن وأصحاب الفكر الهدام، كما ستعزز في نفوسهم معاني الولاء والانتماء للوطن والقيادة الرشيدة للبلاد، وتوضّح لهم أهمية المحافظة على الإرث الحضاري والإنساني لوطن الخير والنماء.

وفي السياق ذاته، فإن على الآباء ومن في حكمهم من أولياء الأمور، متابعة أبنائهم بالنصح والتوجيه الحكيم، وأن يبثوا في وجدانهم الروح الوطنية المبنية على قيم التسامح والمحبة والتلاحم والتآزر بين أبناء الشعب الواحد، لـ"يبقى البيت متوحداً"، كما قال الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وتنشأ بالتالي أجيال إماراتية متسلحة بالعلم والمعرفة الوطنية؛ قادرة على مواجهة تحديات العصر بوعي وثقة وثبات.

حفظ الله الوطن وقائد الوطن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وإخوانه أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكّام الإمارات.. وأدام الله على دولتنا الحبيبة نعمة الأمن والأمان والاستقرار والرخاء.