حراك سياسي واجتماعي كبير شهدته المنطقة العربية خلال السنوات الماضية، كان بطله الرئيسي وما زال الحشود (crowds) والجماهير (masses). أما عن أسبابه فكثر الكلام عن الإعلام الجديد ودوره في نشر الأخبار والمعلومات، وتجنيد مئات الآلاف من الشباب للمطالبة بالتغيير، ومنهم من رأى أن الظلم والاستبداد وصل إلى درجة جعلت الأحداث تتطور بسرعة وتؤدي إلى ما آلت إليه.
الأكيد أن الفضاء الإعلامي العربي تغير تغيرا كبيرا بسبب الإعلام الجديد وتنوع القنوات التي وفرتها التكنولوجيا الجديدة للشعب العربي. الفضاء العام العربي كذلك شهد نموا لا مثيل له، حيث أصبحت قضايا الأمة تناقش بصراحة وجرأة وشفافية على الشبكات الاجتماعية.
كما أن المجتمع المدني في عديد الدول العربية، فاق من سباته العميق وأصبح يتحرك ويتفاعل مع المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات التي شهدها عديد عواصم الدول العربية.
النتيجة في آخر المطاف، أن المنطقة العربية دخلت عصرا جديدا أصبحت فيه للشعب سلطة وكلمة يقول رأيه من خلالها، وأصبحت المظاهرات والمسيرات والاحتجاجات أقوى من الجيوش المدججة بالأسلحة وبالدبابات وغيرها.
قبل سنوات لم يتصور أحد أن مظاهرات واحتجاجات ومسيرات، بإمكانها أن تطيح برئيس وتجبر الآخر على الفرار والثالث على الموت بطريقة دراماتيكية.
وهنا يتساءل المرء عن الأسباب ولماذا لم تحدث هذه الثورات من قبل؟ ولماذا فشل عديد الحركات والمحاولات التي كانت تهدف إلى تغيير الوضع والتخلص من الاستبداد والبطش والظلم والطغيان؟ بطبيعة الحال، الإجابة ليست بسيطة ولا يمكننا إرجاع ما حدث إلى عامل واحد أو سبب واحد، وإنما هناك عدة متغيرات تداخلت وتشعبت وساهمت في حدوث ما حدث.
وفي هذا المقام نركز على ظاهرة جد مهمة، وهي دور الإعلام الجديد وخاصة الشبكات الاجتماعية، في توعية الشباب وتجنيده وإعطائه الفرصة ليكون ويصبح فاعلا في الفضاء العام وفي المجتمع المدني، للمطالبة بالتغيير والإصرار عليه حتى يتحقق. ساهم الإعلام الجديد في تحريك المياه الراكدة في العديد من الدول العربية، وأفرز احتجاجات ومسيرات ومظاهرات ما زالت تزعزع وتهز العالم العربي.
جمهورية الفيسبوك كشفت عقم الأنظمة الإعلامية العربية التي تفننت خلال ما يزيد على نصف قرن، في «شرعنة» الوضع الراهن وفي التملق والتسبيح والمديح.
فالإعلام الجديد أعطى الفرصة للمواطن العربي ليكون فاعلا في العملية الاتصالية، وليستقبل ويرسل ويدلي برأيه، ويقدم مادة خبرية وإعلامية قد تتجنبها أو تغيب عن القنوات الإعلامية الرسمية وغيرها من وسائل الإعلام التقليدي.
ثورة الفيسبوك قضت على نظرية حارس البوابة، وقضت على الرقابة والتوجيه المنهجي للخبر والمعلومة.
صنعت جمهورية الفيسبوك جيلا جديدا من الإعلاميين، هذا الجيل لم يدرس الإعلام ولم يمارس الصحافة في قاعات التحرير، بل أصبح يمارس نوعا جديدا من الإعلام، فمفهوم الممارسة الإعلامية تغير كليا من ممارسة للتلميع والتسبيح، إلى ممارسة للتغيير.
فالمعطيات تغيرت كما أن طرق ووسائل الحصول على الخبر تغيرت، أما وظائف الخبر حسب جمهورية الفيسبوك، فهي موجهة كليا إلى المواطن، تطرح همومه ومشاكله للنقاش والحوار والتداول.
المتأمل والملاحظ لسنة 2011 يستنتج بدون أدنى جهد، أنها سنة الشبكات الاجتماعية بامتياز، حيث أصبح الإعلام الاجتماعي لاعبا فاعلا وأساسيا في حياة الشعوب. فشبكات التواصل الاجتماعي غيرت آليات وميكانيزمات الاتصال والإعلام، والتفاعل مع القضايا المصيرية في المجتمع.
أصبحت هناك وسائل جديدة لتقديم الأخبار والمعلومات والصور والفيديوهات، وكل ما من شأنه أن يقدم الحقيقة للمجتمع. هذه البيئة الجديدة والفضاء الجديد، حررا المجتمع من سيطرة السلطة على صناعة الكلمة والصورة والرأي العام.
وكنتيجة لكل هذا تحررت المبادرات وتحررت الشعوب لتصنع الحقيقة بنفسها، وللوصول إلى الحقيقة بكبسة زر. فالحراك السياسي والاجتماعي الذي شهدته المنطقة العربية في 2011، لم تشهده خلال عقود من الزمن ومنذ استقلالها وهيمنة السلطة على الكلمة والصورة.
بمجيء الإعلام الجديد تغيرت المعطيات وأُتيحت الفرصة للشباب لتحقيق ما عجزت عنه المعارضة والأحزاب السياسية، وغيرها من الكيانات التي لم تنجح في كسر القيود والوصول إلى تجنيد الجماهير وتشكيل الرأي العام المستنير والفاعل، الذي من شأنه أن يقرر مصير الشعب ويحقق طموحاته ومطالبه.
وبعد ما حدث نتساءل الآن؛ هل يستطيع الإعلام الجديد من خلال الشباب مواصلة المسيرة والانتقال من مرحلة الإطاحة بالأنظمة المستبدة إلى مرحلة البناء والتشييد والوصول إلى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والرفاهية؟ إلى حد الساعة ما زالت ظروف الفقراء والمهمشين على حالها، وما زال الاقتصاد في دول الربيع العربي يعاني من مشاكل عويصة.. ما أدى في حالة مصر إلى نفاد صبر الذين أطاحوا بنظام مبارك.