عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسى لا يعني إزاحة فرد من قمة السلطة أو الحيلولة دون سيطرة جماعة فاشية أو سلطوية على مقاليد دولة بعراقة مصر، وإنما هي عملية تحويل مسار تاريخية لمستقبل مصر. فمنذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 .

وهناك تساؤلات لدى الخبراء ومخازن التفكير حول شكل الدولة في مصر خاصة مع وضوح ان الولايات المتحدة الأميركية تعطي دوراً مركزياً لجماعة الإخوان وحلفائها من السلفيين. وكانت المفاضلة لدى الخبراء المهتمين بالشأن المصري هو بين النموذجين التركي والباكستاني، وبالطبع هناك من طرح النموذجين الصومالي والطالباني الأفغاني بالنظر إلى توسع الدور الذي أعطاه الرئيس المعزول للجماعات السلفية الجهادية المتحالفة معه.

أما ترجيح المحللين لهذين النموذجين اي التركي والباكستاني فيعود إلى عدة أسباب الأول هو أنهم رأوا ان التيارات المدنية من ليبرالية أو يسارية ليست متجذرة ولا مستعدة لخوض عمليات سياسية تعطي لهم الفرصة في الوصول إلى السلطة. أما السبب الثاني فهو أن مجموعة كبيرة من المستشرقين الجدد اجمعوا على أن الدول الإسلامية ليس أمامها إلا صورة ما من صور حكم التيارات الإسلامية .

وان هذا الأمر في صالح الغرب سواء للمحافظة على مصالحهم في العالم الإسلامي أو من أجل احتواء التيارات الإسلامية المتشددة التي تناصب الدول الغربية العداء وكل ذلك دفع الولايات المتحدة لعقد تحالف مع الإخوان المسلمين.

وكان الخيار هو بين أن يسير الإخوان في نفس الطريق الذي سار فيه حليفهم التركي "العدالة والتنمية" الذي يشترك معهم في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وهو أن يحكم الإخوان دولة مدنية وفقاً لقواعد التعددية السياسية الراسخة في تركيا منذ انقلاب عام 1980 أو أن يختار الإخوان نموذجاً أكثر تشددا يقترب من النموذج السوداني وان كان لا يشبهه تماماً.

أما الذي استدعى إلى الأذهان النموذج الباكستاني فهو وجود السفيرة الأميركية في القاهرة آن باترسون التي سبق لها أن عملت في باكستان والتي أشرفت في وقت من الأوقات على صياغة العلاقة بين المؤسسة العسكرية الباكستانية والجماعات الإسلامية هناك. وهذا الأمر أعطى الانطباع على أن صيغة مشابهة تسعى باترسون لفرضها على المصريين وتقوم على أن يسيطر الإسلاميون على السلطة التشريعية.

وان تكون السلطة التنفيذية مقسمة بين الجانبين في الوقت الذي يكون فيه الجيش الباكستاني عامل توازن للجم تغّول الإسلاميين على السلطة وبما يحفظ دائماً تبعية السياسة الإقليمية والدولية لباكستان للولايات المتحدة وقد ظلت هذه الصيغة تعمل في باكستان وعندما كان يتم الخروج عنها أو يكون هناك تهديد كان الجيش يقوم بانقلاب عسكري لإعادة الصيغة مرة أخرى إلى العمل.

ومنذ فبراير 2011 وكل المؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة تريد أن تفرض نفس الصيغة على مصر وان باترسون تقوم في مصر بنفس ما سبق وان قامت به في باكستان وقيل أيضاً إن المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة سابقاً عمل محلقاً عسكرياً في باكستان وانه معجب بهذه الصيغة.

وكانت التسهيلات التي أعطيت للتيارات الإسلامية من اخوانية وسلفية وسلفية جهادية خلال المرحلة الانتقالية تؤكد أن مصر في طريقها لإقرار الصيغة الباكستانية خاصة وأن رموزاً إخوانية مثل عصام العريان كتبوا ما يؤكد أنهم غير معجبين بالصيغة التركية لأنها تتوافق مع مجتمع علماني مثل المجتمع التركي ولا يمكن أن تطبق في مجتمع إسلامي يختلف جذرياً عن المجتمع التركي.

وكانت هناك مؤشرات أميركية أخرى أكدت أن الولايات المتحدة تسعى لفرض هذا النموذج الباكستاني على مصر منها إصرار الولايات المتحدة على إعلان نجاح محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية قبل التحقيق في الشكاوى التي تقدمت حول تجاوزات حدثت فيها وكانت الولايات المتحدة قبل ذلك حسب ما كشف من معلومات هي التي طلبت من الإخوان طرح مرشح منهم للانتخابات الرئاسية.

ومنها أيضاً تسامح الولايات المتحدة مع العنف الطائفي الذي مورس ضد الأقباط وتغاضي الإخوان عنه ووصل الأمر إلى قصف كاتدرائية الأقباط لأول مرة في التاريخ المعاصر، ومنها أيضاً تغاضي الولايات المتحدة بل وترحيبها الضمني بدستور الإخوان الذي اعتبرته معظم القوى السياسية يكرس الطائفية ولا يحقق مبادئ المواطنة، وقيل ان خبراء أميركيين مثل نوح فيلدمان شاركوا في صياغته على النحو الذي حدث في العراق .

وكانت مساندة الولايات المتحدة لحكم الإخوان المشابه تماماً للحكم في باكستان من قبل الرابطة الإسلامية ذات الصلة بالإخوان أمراً واضحاً للعيان وليس في حاجة الى تأكيد وهو الأمر الذي كرس لدى المصريين الإحساس بأنهم يتجهون إلى حكم الدولة الدينية وأن الولايات المتحدة تتواطأ في هذا الأمر.