هل هو قدر مقدور في زمن منظور رابض لمصر خلف الباب يريد أن يتسيد عليها، كلما اقتربت من تحقيق مشروع ما لامتلاك إرادتها الوطنية وقرارها دون ارتهان لأحد شرقا أو غربا؟

من أسف شديد يبدو أن تلك حقيقة، مفرداتها ظاهرة في كتاب التاريخ وأحاجي المصريين منذ تجربة محمد علي، مرورا بأحمد عرابي وجمال عبد الناصر، ووصولا إلى عبد الفتاح السيسي.

والشاهد أن من ينظر إلى مجريات الأحداث في أرض الكنانة، لا سيما في الأعوام الأخيرة، يدرك تمام الإدراك أن هناك بالفعل مؤامرة دولية كبرى تحاك لمصر، لقطع طريق الاستقلال الوطني عليها.

هل المؤامرة محض خيال في العقول؟

بالقطع إن لم يكن التاريخ كله مؤامرة فإن المؤامرة موجودة في ثنايا التاريخ، وإن لم يطلق عليها هذا الوصف رسميا، إذ تتخذ أسماء مكذوبة مثل الاستراتيجية الدولية.

المشاهد التي تؤكد أن مصر تتعرض لمؤامرة دولية كبرى عديدة، ومن أسف أن هناك فصيلا في الداخل المصري يساعد على تنفيذ تلك المؤامرة.

هل أتاك حديث وصور إحراق مصر بالنار وإغراقها في العنف كما ظهر في الأيام القليلة المنصرمة؟

لم يكن المصريون يوما ينزعون إلى العنف، فالمصري القديم ما بين ري الأرض وبذر الحب حتى مواسم الحصاد، كان يناجي ربه ليظهر أخناتون بدعوته للإله الواحد. أما اليوم فإننا إزاء عرق آخر يعزف على أوتار الكراهية، ويؤلف أغاني وأهازيج الحزن.

المؤامرة التي تتعرض لها مصر، قادت إلى محاولة إحراق مصر عبر إثارة الفتنة الطائفية، وإشعال كنائس الأقباط ومدارسهم ومنازلهم ومتاجرهم. والمثير أنه وسط نيران الكراهية، كان رد بابا الأقباط تاوضروس الثاني "إذا كان إشعال وحرق كنائس مصر هو ثمن فداء البلاد، فنحن نقدمها قربا وتضحية زكية لله تعالى".

ليس هذا فحسب، بل إن قادة الكنائس المصرية كافة قطعوا الطريق على أي محاولة للتدخل الخارجي، تتخذ من تلك الأحداث ذريعة للقول بحماية الأقباط، ولاحقا استخدامهم كورقة في مخطط تقسيم مصر، وهو الأمر المخطط له منذ عقود طوال.

يلفت الانتباه كذلك أن الأطراف الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، تعمد إلى إشعال الحريق الداخلي عبر تصريحاتها وتلميحاتها، وتتغاضى عن الصورة الحقيقية لحساب تلك المزيفة، وتأخذ من المواقف السياسية ما يدعم فصيلا بعينه. وبالضرورة ليس حبا فيه، وإنما لأنه يحقق لهم تمام وكمال أجندتهم الاستعمارية حول العالم.

يخرج باراك أوباما على المصريين بقرار تأجيل مناورات النجم الساطع، وهو يعلم أنها كانت ولا تزال تخدم العسكرية الأميركية، عبر تدريب جنودها في أجواء الصحراء المصرية، ما لا يتوافر في البيئة الجغرافية الأميركية، كما تخدم بالقدر ذاته شركات صناعة السلاح الأميركية. ورغم ذلك يعمد عشية الليلة التي هدد فيها الإخوان بحرق مصر، بخطاب باطنه يدعمهم وظاهره الحياد الكاذب.

المؤامرة تصل بمصر إلى مجلس الأمن الدولي، ورغم أن الأمر لم يأخذ ملامح أزمة دولية كبرى، إذ حث جميع الأطراف على إنهاء العنف والتحلي بأقصى درجات ضبط النفس، إلا أن أحدا لا يضمن ألا نكون في بداية مخاض وأوجاع تعرضت لها دول عربية من قبل.

ولعل البعد المخيف في تلك المؤامرة، هو أن تجد مصر ذاتها بين عشية وضحاها تحت تهديد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، المعروف بالاتحاد من أجل السلم، وخاتمته دائما سوداوية.

والمؤكد أنه إذا كنا نفهم أبعاد المؤامرة من الجانب الأميركي، فإن المثير والغريب هو أن تمضي دول أوروبية في ركاب واشنطن، وتحذو حذوها في طريق معاقبة مصر على ثورتها التصحيحية، التي استرجع فيها جيشها الديمقراطية، كما قال وزير خارجية أميركا جون كيري.

علامة الاستفهام في هذا المقام؛ هل تلك المؤامرة تعرض مصر فقط للخطر؟

أفضل جواب جاء على لسان السيد أحمد بن محمد الجروان، رئيس البرلمان العربي، الذي دعا الشعب المصري إلى الاحتكام إلى لغة العقل، معتبرا أن "أي اهتزاز في الأمن القومي المصري سيؤثر بالسلب على الأمن القومي العربي في عمقه".

قبل بضعة أسابيع كتبنا عن أن العالم يعيش ربما أجواء العام 1956 مرة جديدة، واليوم يتأكد لنا بما لا يدع مجالا للشك، أن هناك "وثيقة سيفر" جديدة قد أعدت لمواجهة نهضة مصر ومحاولة بنائها لدولتها الديمقراطية المدنية الحديثة، الدولة التي لا ولاءات فيها لأحد سوى لمصر والمصريين، وهو الأمر الذي لا يرضي الأوليغارشيات في الداخل والخارج.

كيف للمصريين والأشقاء العرب المخلصين العمل على تخليص مصر من براثن تلك المؤامرة؟

ما من طريق سوى العمل على التفريق الواضح والظاهر بين ما هو حق وذاك الذي هو ضلال، ونقل الصورة إلى العالم برمته، بمصداقية وموضوعية. وذلك عبر قنوات الاتصال الممكنة دبلوماسيا وإعلاميا ودينيا، واستغلال كافة المنابر للتواصل مع الرأي العالم الأميركي والأوروبي والروسي والآسيوي، لفضح الزيف والبهتان.

المعركة ليست معركة مصر والمصريين فقط، إنها معركة عربية جديدة كتب على العرب أن يخوضوها، ومهما كانت الخسائر في الظاهر غالية ومكلفة فإن الحصاد سيكون أثمن، وذلك عندما يمتلك المصريون والعرب عملية صناعة قرارهم، واسترداد كرامتهم، وإعادة بناء حضارتهم بأياديهم القوية غير المرتعشة.