يمكن القول إن مساحة التقاطعات بين الأحزاب الإسرائيلية الصهيونية الأساسية، مساحة تَضمُر وتتسع من حين لآخر، تبعاً لتحولات بارومتر الوضع الداخلي الإسرائيلي، وتفاعلات الحالة الإقليمية والدولية وتأثيراتها على الداخل الصهيوني.
ولكن مؤشر البوصلة ما زال إلى الآن يحدد لغة جامعة، ولو بتفاوت لفظي بين متحدثي ثلاثي السيبة الصهيونية في حكومة الائتلاف اليميني الجديدة حتى اللحظة (حزب الليكود، حزب إسرائيل بيتنا، حزب البيت اليهودي)، ومعها حزب شاس للمتدينين، الذين يتحدثون بلغة سياسية يمينية صهيونية صرفة، وأحياناً بلغة غامضة تقوم على التلاعب بالألفاظ، دون طرح مواقف واضحة بالنسبة لعملية التسوية السياسية المأزومة (على مسارها الفلسطيني تحديداً).
فأحزاب اليمين الصهيوني هذه، هي الموجودة في ما يسمى "مجلس الوزراء المصغر" للشؤون العسكرية والأمنية، والمعروف اختصاراً بـ"كابينيت"، وهذه التشكيلة القيادية من المتطرفين الصهاينة، هي التي تقود الدولة الصهيونية في الوقت الحالي.
وعليه فإن حزب الليكود الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي بزعامة بنيامين نتانياهو، يقول إنه يسعى لتسوية دائمة مع الفلسطينيين، ترتكز على انسحاب (وليس الانسحاب الكامل) إلى ما وراء خطوط 4 يونيو 1967، ويطالب بضم الكتل الاستيطانية التي يقول إن ضمها هو الحد الأدنى في معالجة وضعها، مع إمكانية إقرار "مبادلة أراضٍ مقابل السلام"، كما جاء في اقتراحات اللجنة العربية المعنية في زياتها الأخيرة لواشنطن ولقائها مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، فضلاً عن تشديد حزب الليكود على ضرورة الاعتراف العربي والفلسطيني الجماعي (لاحظوا عبارة: الاعتراف العربي والفلسطيني الجماعي) بما يسمى "يهودية الدولة".
ويقف حزب الليكود، متصدراً الرأي المنادي بـ"كيان فلسطيني تحت الوصاية الإسرائيلية الأبدية"، مستنداً إلى استحالة تهجير الشعب الفلسطيني الذي بقي على أرض فلسطين (فالاقتلاع أصبح خلف التاريخ)، ليصل إلى نتيجة محققة، فحواها أن وجود "كيان فلسطيني مُقزّم" شر لا بد منه. ويزيد بعضهم على هذا بأن الديمغرافيا تفعل فعلها، وأنهم لا يريدون دولة يهودية على كل أراضي فلسطين التاريخية، تقود إلى وضع تصبح فيه دولة مختلطة ثنائية القومية، ذات أغلبية عربية فلسطينية.
وبالاستنتاج المنطقي، فإن حزب الليكود وحزبي "إسرائيل بيتنا" و"البيت اليهودي" المؤتلفين معه، إضافة لكتلة شاس التي تمثل اليمين التوراتي الشرقي، ترى كلها أن الحل يَكمُن في كيان فلسطيني "عديم التواصل الإقليمي"، أقل بكثير من دولة وأكثر بقليل من حكم ذاتي، مع ضم واسع للمستوطنات، وسيادة صهيونية أبدية على القدس الكبرى، التي تمثل مساحتها ربع مساحة الضفة الغربية، فضلاً عن السيطرة الصهيونية المستديمة على المنافذ والمعابر والأجواء، وعلى الحد الفاصل بين فلسطين والأردن، أي على كامل منطقة غور الأردن من الشمال حتى أقصى الجنوب عند مدينة أم الرشراش.
في هذا السياق، يأتي المتطرف أفيغدور ليبرمان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، ليصرح عن موقفه وموقف حزبه الرسمي من مسيرات الجماهير العربية إلى قراهم المهجرة والمهدمة، والتي تمت قبل أيم في الذكرى 65 لنكبة فلسطين.
فهو يدعو إلى "التخلص من العرب وضمهم إلى السلطة الفلسطينية، والقيام بخطة تطهير عرقي تطال كل أبناء الشعب الفلسطيني الصامدين داخل حدود عام 1948". فهو يقول على صفحته على الفيسبوك إن "أي تسوية لا تشمل التخلص من العرب في إسرائيل لن تكون تسوية نهائية، بل وقف لإطلاق النار" على حد تعبيره. وبالطبع فإن هذا الكلام نقلة بالغة الخطورة في التفكير العنصري الفاشي، ضد ما تبقى من أبناء فلسطين داخل حدود 1948.
أما حزب "البيت اليهودي"، الذي يشكل الرِجل الثالثة في السيبة الرئيسية للائتلاف الحكومي في الكيان الصهيوني، فهو وإن تلون بلون ليبرالي شبابي مُستحدث ومُصطنع، إلا أنه لا يبتعد كثيراً عما يراه كل من حزبي الليكود و"إسرائيلي بيتنا" بالنسبة لعملية التسوية.
فقد شارك هذا الحزب في الائتلاف الحكومي على قاعدتين، أولاهما اللقاء والتقاطع السياسي مع أحزاب اليمين واليمين المتطرف، بالنسبة للموضوع السياسي ومستقبل التسوية مع الفلسطينيين والعرب عموماً. والثانية تقاسم الكعكة الحكومية الوزارية وثمارها المباشرة، في الميزانيات وغيرها.
وفي النتيجة، نحن أمام كتلة حزبية يمينية تقود الكيان الصهيوني، لتعكس ترجيحاً كبيراً لمنطق وسياسة ونهج "الاحتفاظ بالأرض على التسوية"، كما كان وما زال ينادي عتاة وصقور إسرائيل بمختلف اصطفافاتهم الحزبية.
وبالتالي نرى أنه "ليس في الكيان الصهيوني من صانع قرار سوى تيارات التطرف"، ما يعيد الأمور إلى المربع الأول بالنسبة لعملية التسوية المأزومة أصلاً في المنطقة، والغارقة في الأوحال منذ أكثر من عقد من الزمن.