في وقت تنتشر وتتكاثر فيه الأزمات بمختلف أنواعها وأشكالها وفي مختلف مناطق العالم، وفي ظروف صعبة يسودها التعتيم والتضليل والأفكار المسبقة وصراع الثقافات والحضارات وإقصاء الآخر، يتساءل الفرد في المجتمع عن مصداقية ما يشاهده ويسمعه ويقرأه. أين هو الحياد والموضوعية والأخلاق في تغطية وسائل الإعلام لما يجري في مصر وفي سوريا وفي أنحاء عديدة من العالم؟ هل تتحول وسائل الإعلام في زمن الحروب والأزمات إلى آلات لإثارة الفتنة والتهويل والتضخيم والتسيّيس، بدلاً من توعية الرأي العام؟ هل صحيح أن منطق الحرب يقوم على أن "الحرب بدون تلفزيون ليست حرباً"؟ وهل أن غوبلز على حق عندما قال "اكذب ثلاث مرات ففي المرة الثالثة ستصدق كذبتك"؟!
الإعلام العربي اليوم عليه واجب تقديم صورة الإسلام والحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية، في مختلف القضايا المصيرية التي تهم البشرية.
كيف تتعامل وسائل الإعلام مع الأزمات المختلفة؟ وهل أداؤها في هذه الظروف يختلف عن أدائها في الأوقات العادية؟ هل تكتفي وسائل الإعلام بتغطية الأزمة أم تسعى إلى تقديم حلول لها؟ أم أنها تسّيسها وتستغلها لتحقيق أهداف ومصالح معينة؟ هل تواجه المؤسسات الإعلامية ضغوطاً معينة عندما تتعامل مع الأزمات؟ هل هناك قرارات أخلاقية يلجأ القائمون على المؤسسات الإعلامية إلى اتخاذها نظراً للرهانات والانعكاسات العديدة التي تتميز بها كل أزمة؟
معادلة الإرهاب والإعلام، على سبيل المثال لا الحصر، تطرح مشكلة الوطنية، وحق الفرد في المعرفة، وابتزاز واستغلال الإرهابيين لوسائل الإعلام للحصول على منبر يحقق لهم العلانية والحضور الإعلامي والوصول إلى الرأي العام. فأين هي مصلحة الفرد والمجتمع في ظل هذه العلاقة المعقدة؟ وهل هناك تعارض بين الابتزاز والاستغلال وبين حق الفرد في المعرفة؟ وهل هناك تعارض بين الحرفية والمهنية من جهة، والبحث عن السبق الصحافي والإثارة والتهويل والتضخيم من جهة أخرى؟ رهانات وتحديات عديدة تواجهها وسائل الإعلام في مثل هذه الظروف، فما العمل؟ التغطية والتلاعب والبحث عن الإثارة والسبق الصحافي أم المقاطعة؟
من خلال تغطية الحروب، نلاحظ أزمة النظرية الإعلامية في تفسير سلوك الصحافيين والمؤسسات الإعلامية. فعلى عكس الظروف العادية والطبيعية، تواجه التغطية في زمن الحروب والأزمات رهانات وتحديات عديدة، وتصبح الممارسة الإعلامية جزءاً لا يتجزأ من الحرب نفسها. ظروف الحرب إذن، تفرز اختراق مبادئ الحرية والموضوعية، فتنحاز المؤسسة الإعلامية في تغطيتها للحرب إلى موقف الدولة التي تنتمي إليها.
يمكن القول إن المنظرين لممارسة الإعلام في المجتمعات المختلفة والدارسين لعلاقة الإعلام بالسلطة والمؤسسات السياسية والاقتصادية، فشلوا فشلاً كبيراً في وضع معايير ومقومات لشرح سلوك المؤسسات الإعلامية والصحافيين أثناء الحروب والأزمات. فالنظريات الأربع: نظرية السلطة، نظرية الحرية، النظرية السوفيتية، نظرية المسؤولية الاجتماعية.. لم تتطرق إلى إشكالية علاقة الحكومة بوسائل الإعلام في زمن الحرب والأزمات، كما لم تتطرق إلى علاقة الصحافي بالسلطة في هذه الظروف.
وما يمكن قوله في هذا السياق، هو أن الممارسة الإعلامية في زمن الحروب والأزمات لا تختلف من نظام إعلامي إلى آخر ولا من نظام سياسي إلى آخر بل تتشابه، حيث يتحول الإعلام إلى مزيج من الإعلام والعلاقات العامة والحرب النفسية والدعاية والتلاعب والتضليل والتشويه، سواء تعلق الأمر بالدول الديمقراطية أو الدول الديكتاتورية أو الدول المتقدمة أو الدول النامية، أو غيرها من الأنظمة السياسية المتواجدة في هذا الكون.
الملاحظ في هذه الأيام وفي ظل الأزمات والصراعات الكبيرة بين مختلف القوى، سواء داخل الدولة الواحدة أو بين الدول، هو أن الخطاب الإعلامي أصبح بعيداً كل البعد عن الرسالة الشريفة للإعلام، وعن الحياد والموضوعية والكلمة الحرة والصادقة. فأصبحت هناك خطابات عديدة متضاربة ومتناقضة، وكأنها تتعلق بأزمات مختلفة وليست نفس الأزمة. فاختراق الأخلاق المهنية والقيم التي تقوم عليها الصحافة الشريفة، أصبح من سمات إعلام عصرنا الحاضر، الذي فشل في المساهمة في حل الأزمات والحروب والأعمال الإرهابية، بل ساهم ويساهم في التشويه والتضليل والدعاية وبث الحقد والكراهية وثقافة الإقصاء بين الشعوب والأمم.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام؛ ما هي أهداف الإعلام وما هي رسالته في عالم يحتاج إلى السلم والأمان والتقارب بين الشعوب والحضارات والديانات، وليس الحروب والأزمات؟!