«سلام عليكم دكتور»، رفعت رأسي حيث كنت في مكتبي منهمكاً في عمل بين يدي، عليكم السلام يا بنتي. تتذكرني؟ قالت وهي تخاطبني.. نعم، أنت إحدى طالباتي، لكن المعذرة نسيت اسمك. قالت: شيماء. ثم أضافت: أنا تخرجت قبل أكثر من سنة.

قلت: مبروك، «وين» تشتغلين؟ فأجابت: «والله يا دكتور صار لي سنة أدور على عمل»! الشابة شيماء ليست الحالة الوحيدة، بل هي حالة متكررة من طلبتنا الأوفياء، الذين يمرون بعد تخرجهم للسلام على أساتذتهم، وربما لتذكر أيام «العز».. أقصد أيام الجامعة.

والشابة الخريجة شيماء ليست الوحيدة العاطلة عن العمل في مجتمعاتنا النفطية المستوردة للعمالة، بل هي ضمن الآلاف من شباب وشابات هذه المجتمعات، الباحثين عن العمل المناسب لمؤهلاتهم، وأيضاً لما يعتبره المجتمع «مناسباً» و«لائقاً»! والأرقام التي تنشرها جهات متخصصة، مقلقة.

ففي دراسة لمؤسسة الخليج للاستثمار نشرت مقتطفات منها جريدة «البيان» (18 سبتمبر 2012)، تبين أن البطالة السائدة بين الشباب الخليجي ممن تتراوح أعمارهم بين 19 25، نحو 30 % في السعودية، 28 % في البحرين، 23 % في عمان، ونحو 24 % في الإمارات و12 % في الكويت. وتستعين الدراسة بتقديرات وضعها الصندوق الدولي لأعداد العاطلين في هذه الدول للسنوات المقبلة، فتقدرها في حدود 2 إلى 3 ملايين شاب.

وللوهلة الأولى بدت لي تقديرات الصندوق الدولي غير معقولة، إذ قلت ربما وقع خطأ في النقل، فبحثت عنها في مكان آخر، ووجدتها هي ذاتها على موقع اقتصادي اسمه «أرقام» منشورة في 16 / 5 / 2012!

وما يعزز مصداقية تلك الأرقام وقربها من واقع الحال، ما نشره الموقع المذكور نقلاً عن صحيفة «المدينة» السعودية، وتشير فيه إلى أن 1.3 مليون مواطن يبحثون عن عمل في مختلف المناطق السعودية، منهم 315 ألف في منطقة الرياض وحدها (24 / 2 / 2013). وتذهب دراسة حديثة للصندوق إلى تأكيد التقديرات السابقة، حيث تتوقع أن قوة العمل الوطنية في دول مجلس التعاون ستنمو بنسبة 3 4 % سنوياً، لذا فإن 1.2 1.6 مليون مواطن خليجي قد يدخلون سوق العمل (موقع أرقام نقلاً عن رويترز 20 / 11 / 2013).

بمعنى أن العدد قد يصل 2 3 ملايين عاطل بين مواطني دول مجلس التعاون، آخذين بعين الاعتبار تراكم أعداد البطالة سنة بعد أخرى.

ولا شك أن هذه الأرقام مقلقة وبحاجة إلى عناية المسؤولين، لما تمثله البطالة من ظاهرة اجتماعية خطيرة على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، خاصة أن الفئة الأشد تأثراً بالبطالة هي فئة الشباب من الجنسين، وبالذات أصحاب المؤهلات.

وفي ظني أن مشكلة البطالة هذه ومحاولة إيجاد فرص عمل «مناسبة» للمواطن الخليجي، هي المشكلة الأساسية التي تواجهها دولنا حالياً، علماً بأن معظم قوتنا العاملة الوطنية تنخرط في العمل الحكومي «الإداري»، والذي بات غير قادر على استيعاب المزيد من الأيدي العاملة، خصوصاً في الوظائف الإدارية البحتة.

وقد ظهرت من جراء عملية التوظيف تلك، مظاهر سلبية كثيرة كالبطالة «المقنعة» وقلة الإنتاجية وفقدان الرضا الوظيفي، فضلاً عما يستقطعه باب الرواتب من نسبة كبيرة من الميزانيات. في نفس الوقت، فإن ميزات العمل الحكومي، من رواتب وبدلات مرتفعة، ودوام مريح، وإجازات، لا تشجع المواطن الخليجي، بالذات أصحاب المؤهلات، على البحث عن عمل في القطاع الخاص.

إن تغيير سياسات التوظيف الحالية له مخاطر، والاستمرار فيها أيضاً له مخاطر، كما تؤكد رئيسة خبراء العمليات والمديرة المنتدبة في البنك الدولي، سري مولياتي إندراواتي، في تصريح نشرته «القبس» 22 من الشهر الجاري، على هامش مشاركتها في القمة العربية الإفريقية التي عقدت أخيراً، في الكويت.

«فتخفيف المزايا التي يتمتع بها الموطنون، خصوصاً الطبقة المتوسطة، قد يخلق بعض التوتر الاجتماعي والسياسي، أما مخاطر عدم تغيير السياسات المالية فتتمثل بتشويه الميزانية لفترة أطول، ما يؤثر في قدرة الدول على تنويع الاقتصاد بالشكل وفي الوقت المناسبين، كما يؤثر في استدامة الإنفاق العام، خصوصاً أن الإيرادات النفطية لن تدوم للأبد».

خيارات صعبة أمامنا، لكننا يجب أن نخطوا الخطوات الأولى نحو حلها.