حل علينا يوم أمس عام جديد، بعد أن ودعنا عاماً، كان مليئاً بالأحداث الجسام، يراودنا الأمل في أن يكون هذا العام أفضل من سابقه، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، نقول ذلك لأننا نرى أمتنا العربية، وهي في أوضاع صعبة، بل وخطرة. وبوادر انفراج تلك الأوضاع الصعبة لا تلوح في الأفق، ومستقبل الأحداث غير معلوم، ويستحيل التنبؤ به.
ولعل أكثر الأحداث تفجراً ودموية تلك الجارية على أرض سوريا، فلا أحد يستطيع التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، بعد أن بدأت الدول الغربية في التشكيك بقدرة المعارضة السورية على إسقاط النظام، وبعد أن صمد هذا النظام قرابة ثلاث سنوات، ولعل تغير الموقف الغربي ناجم عن الخوف من العناصر الأصولية، من قبيل داعش (تنظيم دولة العراق والشام) وجبهة النصرة، وغيرها من المنظمات الدينية المتطرفة، التي أضحت لها اليد الطولى على الساحة هذه الأيام.
وهذه المنظمات لا تمتلك برنامجاً وطنياً، يستطيع جمع تيارات وفصائل الشعب السوري، وهي إذا ما وصلت إلي السلطة، فإنها ستعيد تجربة طالبان مرة أخرى، وتصرفاتها تدل على ذلك، فهي تحارب الجيش السوري الحر أكثر من حربها لجيش النظام، فضلاً عن محاربتها للأكراد. ولم يسلم المسيحيون من شر هذه الجماعة، فتعرضت مناطقهم للهجوم والكنائس للتدمير، وزهقت منهم أرواح كثيرة على يد هؤلاء من غير ذنب.
والحق أن التنظيمات الأصولية وانتشارها في غرب البلاد العربية وشرقها، بات يهدد المستقبل المشرق، الذي انتظرته الجماهير العربية في أثناء الربيع العربي، ففي كل دولة، مرت بحالة الثورة، أطلت هذه التنظيمات لتستغل أوضاع عدم الاستقرار فيها، فتواجدها واضح في ليبيا، وفي مصر، وتحديداً في سيناء، وفي اليمن والعراق لأسباب الانقسام الطائفي. وجميع هذه التنظيمات قد خرجت من رحم تنظيم الإخوان المسلمين، الذي هو تنظيم دولي أنصاره ينتمون إلى بلاد مختلفة.
نقول هذا لأن هؤلاء تأثروا بأحد أبرز زعماء الإخوان، وهو سيد قطب، الذي وضع كتاباً اسمه "معالم في الطريق"، فيه تكفير للمجتمعات الإسلامية، والدعوة للخروج عليها، لأنها مجتمعات جاهلية! بالطبع، اعتبر سيد قطب جماعته هو، أي جماعة الإخوان المسلمين، هي الجماعة المسلمة الوحيدة من دون ملايين المسلمين!
الأمل كبير في أن تهدأ الأوضاع في مصر، لأن مصر تمثل ثقلاً مادياً ومعنوياً لجميع العرب، فتحجيم حركة الإخوان فيها لا شك سيؤثر في بقية الفروع في الأقطار العربية، ويفتح المجال لمرحلة جديدة، تتنفس فيها الجماعات الإسلامية الوسطية الصعداء، ويكون لها دور في الحياة السياسية المقبلة. والشعب المصري على أحر من الجمر انتظاراً لموعد الاستفتاء على الدستور، واستكمال الحياة السياسية الطبيعية، من انتخاب للرئيس، ومجلس الشعب، ليجني ثمرات ثورتي الخامس والعشرين من يناير، والثلاثين من يونيو.
وأوضاع ليبيا واليمن أكثر تشابكاً وتعقيداً، فالقاعدة في اليمن نشطة جنوباً، وأحياناً في الشمال، والحوثيون متحصنون في جبالهم، وفي صراع مع السلفيين، والجنوبيون يطالبون بالاستقلال، والدولة اليمنية لا تستطيع بسط نفوذها على كل التراب اليمني، أما التنبؤ في الحالة اليمنية، وما ستؤول إليه الأمور، فهو من رابع المستحيلات كما يقال. والشيء ذاته، ولكن بصورة أخف، ما هو حاصل في ليبيا، ولعل أبرز التحديات أمام الحكومة الليبية هو بسط نفوذ الدولة، وخلق جيش وطني، يستطيع المحافظة على وحدة ليبيا.
إحدى الإشارات المضيئة للعام الماضي التي ستنعكس على سنتنا هذه، والسنوات المقبلة، هي فوز دبي باستضافة إكسبو 2020، الذي فتح باب الأمل لدينا جميعاً من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، بأن العرب بإمكانهم الفوز في المنافسات العالمية، إن جدوا واجتهدوا. ولا شك في أن سنوات التحضير لهذا الحدث المهم ستكون سنوات خير، تنشط فيها التجارة، ويزداد فيها الكسب، وتتوفر فيها الفرص.
نتمنى أن تكون السنة الجديدة أفضل من سابقتها، وأن يسود السلام في ربوع بلادنا العربية، وفي العالم أجمع. ونقول لقرائنا الأفاضل: كل عام وأنتم بخير.