وجد الكويتيون فجأة أن معظم شوارعهم وخاصة الخطوط السريعة وقد امتلأت بالحصى لتتطاير على سياراتهم (وبينهم كاتب السطور) ولتخلف وراءها خدوشاً وشقوقاً وتهشيماً في بعض الأحيان في واجهات مركباتهم. وعلت الأتربة والغبار من فوق تلك الطرق حتى بدت الكويت وكأنها تتعرض لموجة من "الطوز" التي تشتهر بها، رغم أن أمطار هذه السنة و"المربعانية" من أفضل السنوات، حيث هطلت غزيرة فضلاً عن أمطار "الديمة" التي تتسم بنزول رذاذ متواصل لأيام، مما يفيد البلاد والعباد أكبر فائدة.

وظن الكويتيون أن سبب تلك الظاهرة غير المسبوقة هي أمطار الخير التي هلت على الكويت بعد سنوات القحط والجدب الطويلة، لكنهم سرعان ما تساءلوا: لماذا ظلت شوارع وطرقات الدول الشقيقة حولنا صالحة وقد أنعم الله عليهم بذاك الغيث لتخضر الصحاري بعد طول اصفرار؟ ثم ما بال شوارع باريس ولندن وواشنطن، وحتى عواصم دول فقيرة كمانيلا وبانكوك وغيرها الكثير لا يصيبها ما أصابنا، والسماء عندهم تنزل مدراراً ولا ينقطع مطرها؟

لكنه الفساد الإداري الذي بات يتلظى به الكويتيون، إذ أكد الخبير البيئي د. سعود الرشيد أنه لا علاقة للأمطار بتفتيت الطبقة الأسفلتية للطرق الذي حدث أخيراً، ونفى أن تكون الأمطار في البلاد ملوثة بمواد كيميائية أو حمضية، وأرجع ما حدث إلى عدم الالتزام بالمواصفات العالمية للمادة المستخدمة في السفلتة، من قبل مقاولي الصيانة أو من الشركة النفطية التي تورد مادة "البيتومين" التي تدخل في صناعة الأسفلت.

وقد دعا ذلك وزير الأشغال عبد العزيز الإبراهيم إلى عقد اجتماع مع ممثلي الشركات التي تقوم بسفلتة الشوارع وأنذرها بأنها ستوضع على القائمة السوداء إن هي لم تقم بمعالجة الخلل في أسرع وقت. أما المواطنون والمقيمون المتضررون فقد علت بينهم نبرة التذمر والشكوى بل ورفع دعاوى على وزارة الأشغال بالمطالبة بالتعويض. وقد نبههم أحد الظرفاء إلى أن المحامي يكلف في أقل قضية 750 ديناراً (مع الجرجرة في المحاكم)، وإصلاح زجاج المركبات لا يكلف في أسوأ الحالات إلا مائة دينار!!

ومن الأمور المضحكة بل المبكية مطالبة أحد النواب بمنع دخول الشاعر جلال الدين الرومي الكويت، ظناً منه أن هذا الشاعر الصوفي هو شاعر معاصر يعيش بين ظهرانينا، ويبدو إنه نُبه إلى إن جلال الدين الرومي قد عاش قبل سبعة قرون في الأناضول، وإنه وضع بصماته من خلال أشعاره الصوفية على الثقافات التركية والفارسية وثقافة الهنود المسلمين.

وقد أصبح النائب الفاضل عرضة للتندر والفكاهة عبر الصحافة وصفحات التواصل الاجتماعي، مما حمله على الاستدراك بأنه أراد القول إنه يعارض قيام الأمسية الشعرية عن الشاعر وليس منعه من دخول البلاد، وذلك حفاظاً على الأخلاق وتعاليم الدين الحنيف.

والغريب، أن الحكومة التركية الحالية التي تتبنى فكر تيار الإخوان المسلمين تحتفل بعيد ميلاد هذاالرجل، وتعتني بنشر أشعاره، ولكن المصيبة عندنا أن نوابنا باتوا يتفننون في إثارة عامة الناس ودغدغة مشاعرهم الدينية للتكسب السياسي ليس إلا، وهذه ليست المرة الأولى التي تثار فيها مثل هذه القضية التي تمس ممارسة الحرية الفكرية في إطار القانون، فقد منع الكاتب الراحل حامد نصر أبو زيد قبل سنوات، وقبل أن يقتل غيلة، من دخول الكويت من نفس تلك الأصوات التي تزايد وتتاجر باسم الدين.

ويتعجب البعض من رفض مثل هذه الأمسية عن واحد من أعظم الصوفيين المسلمين السنة، مع وجود الصوفية كتيار ديني في الكويت منذ عشرات السنين ويرأسه الفاضل سيد يوسف السيد هاشم الرفاعي، الذي كان نائباً ووزيراً سابقاً. ولعل ذلك ما حدا بالتجمع الوطني الديمقراطي من تبني تلك الأمسية وإقامتها في جمعية الخريجين بدلاً من مكان عام كفندق الجميرا (مسيلة بيش سابقاً). ويبدو أننا نترقب أزمة جديدة.

على العموم، المضحكات المبكيات كثيرة، وتينك فيض من غيض منها.