يلعب المجتمع المدني دوراً استراتيجياً في مناقشة ومعالجة المشكلات والأزمات والآفات الاجتماعية، وكلما كان المجتمع المدني فعّالاً ونشطاً ومراقباً لما يدور في المجتمع، كلما كانت مساهماته في التكافل الاجتماعي وفي حل مشكلات المجتمع كبيرة وناجحة. ومن هنا، فإن مؤسسات عديدة في المجتمع بإمكانها المساهمة في التوعية الأمنية، كالمدرسة والحي والمسجد والنادي الرياضي والكشافة والهيئات والاتحادات المختلفة التي تعنى بالشباب، وغيرها من الجمعيات والمنظمات في المجتمع.
وهذا يعني أن المؤسسات الإعلامية في المجتمع يجب أن تستهدف كل هذه الجهات لخلق الوعي بالمشكلة والمشاركة في حلها، كل من موقعه وحسب طاقاته وإمكانياته.
وقد انتشر في السنوات الأخيرة مصطلح "المجتمع المدني" في الأدبيات العربية، للتعبير عن القوى الاجتماعية المختلفة والمتعددة التي تنشط في المجتمع في إطار منظم، بهدف تحقيق مطالب واحتياجات الجماعات التي تمثلها. ويعتمد المجتمع المدني في أنشطته وتحقيق أهدافه، على وسائل الإعلام للوصول إلى السلطة والفعاليات السياسية في المجتمع وطرح القضايا والمشكلات التي يواجهها.
والسؤال الذي يُطرح هنا؛ إلى أي مدى تساهم وسائل الاتصال الجماهيري في نشر ثقافة المجتمع المدني في الوطن العربي وإلى أي مدى تخدم وسائل الإعلام المجتمع المدني؟ ثم إلى أي مدى يؤثر المجتمع المدني في وسائل الإعلام ويجعلها أدوات في خدمة المجتمع ووسائل للمراقبة والنقد والاستقصاء وقوى لضمان التوازن في المجتمع؟
وما هي الأدوار التي تلعبها المؤسسات الإعلامية في العالم العربي بشأن التنشئة الاجتماعية ونشر الوعي السياسي وثقافة الحوار والتنوع والتوعية الأمنية من أجل الحد من الآفات الاجتماعية؟
فالعلاقة جدلية بين المجتمع المدني ووسائل الإعلام، وكلما كان المجتمع المدني قوياً وفعّالاً ومشاركاً في قضايا وانشغالات المجتمع، كلما فتح المجال واسعاً أمام وسائل الإعلام لتغطية هذه الفعاليات والأحداث، لتكون المؤسسات الإعلامية بذلك منبراً للحوار والنقاش من أجل القرار السليم والحكم الراشد.
وقد ساهمت العولمة والثورة المعلوماتية والاتصالية، في بلورة ونضج فكرة المجتمع المدني في العالم العربي، ومن هنا يتمثل دور المجتمع المدني في خلق فضاء مستقل يفرز قيم العدالة والمساواة والحرية، بحيث يعمل على تنظيم العلاقات داخل تنظيمات مدنية تحقق استقلالاً نسبياً عن سلطة الدولة من ناحية، وعن قوى السوق من ناحية أخرى.
ويستمد المجتمع المدني قوته من الثقافة المدنية التي تتمحور حول الحرية والمساواة والمواطنة، وهي في أساسها قيم عامة، تتفرع عنها قيم تؤمن بالتفكير الحر الخلاق، والفعل الحر المسؤول، والحرية التي تستمد قيمتها من مبدأ الفرد الأخلاقي الذي يؤمن بأن حريته تعني حرية الآخرين، وأن حرية الفرد لا تسمح له بالانسلاخ من محيطه ومجتمعه وفضائه السياسي والاجتماعي والثقافي...
ولا تسمح له بالاغتراب عن مبادئه وقيمه، حيث إن حريته مستمدة من حرية الآخرين. والحرية الفردية هنا هي قيمة مثالية، تنتهي إلى قيمة اجتماعية لا تقل عنها أهمية، وهي قيمة الترابط الجمعي التي تجعل الأفراد يتصرفون في إطار بيئة تضامنية عضوية تعبر عن روح الجماعة.
فأدوات الاتصال الجماهيري في المجتمع، هي التي تنقل ثقافة المجتمع المدني من مستوى الوعي الفردي والجماعي إلى مستوى الوعي العام، وبهذا تصبح الثقافة المدنية جزءاً لا يتجزأ من وعي الأمة. وهنا يتوجب على وسائل الاتصال الجماهيري أن تقدم خطاباً إعلامياً هادفاً، يحمل في طياته قيماً اجتماعية راقية تنبع من المجتمع وقيمه ومبادئه.
لكن أغلب ما ينشر في وسائل الاتصال الجماهيري هذه الأيام، هو منتجات إعلامية معلبة مستوردة من الخارج، تفرز انفصاماً في شخصية الفرد العربي الذي يعيش واقعاً مختلفاً تماماً عما يشاهده أو يستهلكه في المؤسسات الإعلامية العربية.
إن وسائل الاتصال الجماهيري هي الحليف الاستراتيجي للمجتمع المدني، وهي الوسيلة الفعّالة والأداة اللازمة لتحقيق مبادئه وقيمه في المجتمع.
ما هي القيم والوعي والأفكار التي تقدمها الفضائيات العربية للمواطن العربي؟ وما هي الإضافات الفكرية والثقافية التي تقدمها هذه الفضائيات للمشاهد؟ أم أن هناك فجوة خطيرة جداً بين الواقع الذي يعيشه المواطن العربي وما يُنقل له ويشاهده عبر القنوات الفضائية المختلفة؟
يرى عدد من النقاد والباحثين أن ضعف أداء وسائل الإعلام في المجتمع، يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف المجتمع المدني، انطلاقاً من مبدأ أن الإعلام هو مرآة عاكسة للوسط الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي الذي يوجد فيه ويتفاعل معه، فإذا كان المجتمع المدني ضعيفاً، فهذا ينعكس سلباً على أداء المؤسسات الإعلامية في المجتمع. فالإعلام القوي والفعّال، لا ينمو ولا يتطور ويزدهر إلا في مناخ الديمقراطية والحرية، ووجود القوى المتنوعة الفاعلة في المجتمع.
ما زال العالم العربي يعاني من فجوة كبيرة بين الشارع والوسيلة الإعلامية، كما أنه يعاني من ضعف المجتمع المدني، الذي ما زال عاجزاً عن التفاعل مع الشارع والمؤسسات الإعلامية بطريقة إيجابية وفعّالة.