100 عام مرت على اندلاع الحرب العظمى، والتي انتهت عام 1918 وسقطت فيها إمبراطوريات، ولم يقف هديرها إلا بنهاية الحرب العالمية الثانية، وكانت الدولة العثمانية إحدى تلك الإمبراطوريات التي تمت إطاحتها، وللعرب كان فيه دور لينالوا استقلالهم من الأتراك أو هكذا كما مُثل لهم.
وتوالت الأحداث حيث قام ما يعرف بالثورة العربية الكبرى عام 1916- 1918، لاجتثاث الحكم التركي بمساعدة بريطانيا.
ومن طرف آخر، كانت هناك مفاوضات بين بريطانيا وفرنسا بحضور روسيا القيصرية، تمخضت عن معاهدة سايكس ـ بيكو عام 1916 لاقتسام الهلال الخصيب، الممتد من دمشق ماراً بالموصل فبغداد ثم البصرة، وحصلت بموجبه فرنسا على الجزء الأكبر من الهلال الخصيب (سوريا ولبنان) ومنطقة الموصل في العراق، أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف الشام الجنوبي متوسعة في الاتجاه شرقاً لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية.
وفي عام 1917 أتى وعد بلفور، الذي يشير فيه إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء دولة قومية لليهود في فلسطين..
ولما اكتشف الشعب العربي في سوريا والعراق أن دخول الفرنسيين والبريطانيين ما هو إلا استعمار جديد، قامت الثورات والاحتجاجات على نطاق واسع ضد المستعمرين الجدد، والتهب الهلال الخصيب وإلى يومنا هذا ما زال ملتهباً، وهكذا ولد الترتيب القديم، علماً بأن الولايات المتحدة لم تكن لها يد ولا باع في هذا الترتيب.
لكن الولايات المتحدة ورثت الترتيب القديم، وليس هناك إلا المحافظة والدفاع عن مصالحها الاستراتيجية بعد اكتشاف النفط بغزارة في المنطقة عام 1928، وشكل الزحف الشيوعي الذي تبناه الاتحاد السوفييتي، خطراً استراتيجياً لهذه المصالح.
فأول ما قامت به أميركا هو النظر إلى الإمكانات الموجودة لبناء ذلك الدرع أو الحائط الاستراتيجي المانع للتغلغل السوفييتي، وأول ما رأته هو الهلال الخصيب وإذا به رماداً، فما كان عليها إلا اصطناع حلف بغداد، أو كما يعرف بـ"السنتو" عام 1955، لكن هذا الجدار انهار عام 1958 بخروج العراق جراء انقلاب قام به عبد الكريم قاسم الذي اعترف بالاتحاد السوفييتي.
وهكذا انهار حلف السنتو، وفي وضع كهذا تطلب الأمر استراتيجية جديدة تضم إسرائيل وشاه إيران وتركيا (العضو في الحف الأطلسي منذ عام 1952)، وتمت الاستعاضة بهذه الدرع الاستراتيجية لتأمين منابع النفط.
وما زالت تركيا عضواً في حلف الناتو، أما إسرائيل فقد انتهت كخيار استراتيجي بانهيار الاتحاد السوفييتي ولم يعد لها مكان من الإعراب، بينما إيران كما يراها الغرب، أصبحت تصدر الإرهاب وتعبث في المصالح الأميركية واستقرار المنطقة.
تحت هذه الظروف غير المستقرة وعبر العقود الثلاثة الماضية، قامت الولايات المتحدة برسم مختلف الاستراتيجيات، أولها العمل على تطوير التكنولوجيات للحد من استيراد النفط من منابع الخليج العربي، وقد حققت نجاحاً كبيراً في هذا المجال.
فقد أعلنت الهيئة الدولية للطاقة أن أميركا ستتخطى عام 2015 السعودية كأكبر منتج للنفط في العالم، لكن نفط الخليج سيستمر يلعب دوراً استراتيجياً عالمياً، والمحافظة عليه مصدر قوة استراتيجي يجب أن لا يفلت من يد أميركا.
وقد استغلت أميركا التحرشات والتصلب الإيراني واحلالها للعراق، لبناء جدار رادع من خلال بناء القواعد العسكرية الأميركية شمالاً من كردستان العراق وإلى بحر العرب جنوباً ليصبح الأمر في يدها.
ويدور المحور الثالث حول المحافظة على هذا الجدار، ويتضمن إقصاء الإرهاب كخطر استراتيجي، وهناك استراتيجيات وطروحات مختلقه نحو بناء ترتيب جديد مكمل في المنطقة.
تناول الكاتب (البيان 2010) إحدى تلك الأفكار، وتتضمن إنشاء هيكل فوقي ينتمي إليه عدد من دول الخليج العربي أو أجزاء من أراضيها، يهدف إلى سد الأخطار الاستراتيجية والعمل كلاعب عالمي مشارك، باعتبار أن "هلال النفط في الخليج العربي سيمتلك النقد والغاز والنفط في أيدي عرب مسلمين ذوي نفوس سخية نحو الغرب والشرق، وأينما تواجد إخوانهم العرب والمسلمون.
والإسهام بآلاف المليارات سنوياً لبناء الاقتصاد الحقيقي للدول العربية والإسلامية، ولنزع ما تبقى من الحجج الإرهابية من الجوع والفقر والبطالة، وسيسهم ذلك إيجابياً في الاقتصاد العالمي بمشاريعه العملاقة، ويكون رديفاً للمتطلبات الاستراتيجية الدولية، ولكن الإشكال الاستراتيجي هنا يدور حول كيفية بناء هيكل كهذا، ومن آين تكون بدايته ونهايته".
تؤرق الكثيرين كيفية إخراج هذا المشروع إلى الوجود، إلا أنه يبقى من أفضل الخيارات المطروحة، فهو من جهة يعزز الرقي العربي والإسلامي مما يساهم في تحفيز الاستقرار العام فيهما، ولا يترك للإرهاب سبيلاً، وأما من الطرف الآخر فنموذج كهذا سيكون عنصراً فاعلاً في إنجاح الترتيب الجديد للولايات المتحدة، نحو تحقيق هدفها الذي أعلنه الرئيس أوباما بمد يد التواصل والتعاون مع الشعوب العربية والإسلامية.
أين يبدأ الهيكل وأي دولة بمقدورها أن تأتي بالنتائج المطلوبة؟ دولة تدعمها إنجازاتها وقابليتها للتحرك على نطاق واسع وبشكل سريع، وأن تمتلك العوامل الاجتماعية والإنسانية العالية، ومدى تعاملها الإيجابي مع الأقليات فيها.. هذه هي المتطلبات الأساسية لتلك الدولة.