في عصرنا الحالي تعرف الحرب الأهلية بأنها صراع مسلح بين مجاميع منظمة داخل البلد الواحد، أو بين دولتين كانتا في السابق دولة واحدة، وهو صراع قد يكون بدافع رغبة إحدى المجموعات في الانفصال لتكوين دولتها الخاصة بها، أو لتغيير سياسة بلادها أو الاستئثار بالحكم، وغالبا ما يكون أحد أطراف الصراع جيشا نظاميا.
ويترتب على صراعات كهذه عادة، عدد كبير من الإصابات وضياع قسم لا يستهان به من الموارد المتوافرة في ساحات الصراع، وتدمير للبنى التحتية فيها.
كما أنها قد تتسبب في إخفاقات كبيرة في الخدمات، وشلل في مرافق الحياة العامة، وتصاحبها هجرات إلى مناطق أخرى داخل البلد نفسه، أو هجرة إلى الدول المجاورة الأكثر قربا من موقع الصراع، إضافة إلى تباطؤ خطط التنمية وتزايد نشاطات المنظمات التي ترتكب الجرائم المنظمة.
في العقود الأخيرة من السنين، حدث معظم الصراعات المسلحة في العالم داخل الدول، وليس بين دولة وأخرى. ورغم الخسائر الكبيرة التي تحصل في منطقة الصراع وما تجره من ويلات على سكانها المدنيين غير المنخرطين فيه، إلا أن الحروب الأهلية لها تداعيات خطيرة على استقرار ورفاه المنطقة التي تحدث فيها هذه الحروب. فالصراعات هذه قد تتسبب في تدخلات خارجية، وقد تشعل نار حرب إقليمية، خاصة حين تكون لأطراف الصراع امتدادات خارجية، إثنية أو دينية أو مذهبية.
مقاربة الحروب الأهلية ومعالجة أسبابها وتداعياتها، تختلف من وقت لآخر ومن مكان لآخر. فعلى المستوى الرسمي، منح ميثاق الأمم المتحدة مجلس الأمن الدولي صلاحية التدخل في الصراعات الداخلية، حينما تصبح هذه الصراعات أو استمرارها مصدر خطر للأمن والسلم العالميين.
فالفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية يتيح للمجلس، بعد سلسلة من الخطوات تضمنتها البنود الواردة في هذا الفصل، حق إصدار تعليمات للقيام بعمليات عسكرية جوا وبحرا وإنزال قطعات عسكرية، لوقف المخاطر التي يتمخض عنها استمرار الصراع. ولكن هذه الصلاحيات لم تكن تدخل باب التنفيذ سوى بالقدر الذي يرضى به الكبار الجالسون في المقاعد دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وليس الطرف أو الأطراف المتمردة صاحبة القضية في الصراع.
وقد وفرت نهاية حقبة الحرب الباردة، فرصا حقيقية أمام المنظمة الدولية للقيام بمهامها لإنهاء الصراعات المسلحة داخل الدول، بفاعلية أفضل من ذي قبل، بعد أن تراجعت نزعة توظيف هذه الصراعات في الحرب الباردة في الصفقات السياسية بين قطبي الصراع الذي كان قائما آنذاك. ففي الفترة الواقعة بين عامي 1989 و2006، اتخذ مجلس الأمن الدولي 617 قرارا بشأن 27 صراعا أهليا من بين 44 حربا أهلية وقعت في تلك الفترة، اشترك فيها 1988 طرفا مقاتلا.
ولم تكن جهود المجلس منصبة على وقف الحرب الأهلية، قدر ما كانت معنية في الدرجة الأولى بحث أطراف الصراع على التوصل إلى إصلاحات، عبر تغييرات سياسية ودستورية تزيل الأسباب التي قادت للصراع، تماشيا مع ما تمخضت عنه نهاية الحرب الباردة من انفتاح على أجواء الحرية وحقوق الإنسان، التي تتطلب إجراء إصلاحات سياسية واجتماعية.
فاللجوء إلى الحرب الأهلية هو الحالة القصوى من حالات حق دفع الظلم، الذي تقوم به حكومة أو فئة حاكمة أخلت بحقوق الشعب والمواطن، بموجب مبادئ حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها المتضمن في ميثاق الأمم المتحدة، وقد سبق لدستور الثورة الفرنسية الصادر عام 1793 أن كان سباقا في التطرق إلى ذلك.
هناك اختلافات وعدم اتفاق على السمات التي تتصف بها الحروب الأهلية، وليس من الغريب أن لا نعثر على معايير معتمدة دوليا للحكم على طبيعة النزاعات المسلحة وتصنيف درجتها، ولكن رغم ذلك فقد وضع بعض المنظمات التي تعنى بالسلم في العالم، بعض المعايير لذلك.
معهد السلام العالمي، وهو معهد أمريكي مستقل يتخذ من مدينة نيويورك مركزا له ويعمل على منع الصراعات بين الدول وضمن الدول نفسها، قام بإعداد دراسة موسعة لجميع الحروب الأهلية التي حظيت باهتمام مجلس الأمن الدولي على مدى عقدين من السنين.
ووضع في ضوء ذلك بعض المعايير للحكم على طبيعة النزاعات وتصنيفها، وقد ورد تعريف للحرب الأهلية يتلخص في أنها "صراع مسلح يشترك فيه طرفان أو أكثر، يسقط فيه ما لا يقل عن 500 قتيل سنويا، وتكون الحكومة القائمة الطرف الرئيس في هذا الصراع".
وقد أولى المعهد اهتماما للحروب الأهلية التي قد تستمر سنوات عديدة قد تهدأ فيها أحيانا، واعتبر أن هذه الحرب تعتبر نشطة وقائمة متى تخللتها معارك دموية، لا يقل عددها عن خمس وعشرين معركة خلال سنة.
في سياق هذا الحديث عن خصائص الحرب الأهلية، نستطيع القول بأن ما يجري من نزاعات دموية في عدد من دول المنطقة، يندرج تحت باب الحروب الأهلية، من حيث عدد الضحايا الذين يسقطون سنويا من جانب، وكون هذه النزاعات تهدد الأمن الإقليمي من جانب آخر..
وتسمح الظروف الدولية الراهنة بإذكاء لهيبها وإطالة أمدها من جانب ثالث. ويبدو أن سنوات الحرب الباردة لم تغادرنا إلا مرحليا، فها نحن نشهد إحدى أبرز وأكثر الحروب الأهلية شراسة ووحشية في العصر الحديث، تبقى مشتعلة في سوريا منذ ثلاث سنوات..
وليس في مقدور مجلس الأمن الدولي سوى الوقوف يائسا في مواجهتها، وعاجزا في مواجهة تداعياتها التي انعكست على دول الجوار التي بدأت تنوء بعبئها، بسبب ما طرأ من تغير في النظام العالمي، وعودة أجواء الحرب الباردة التي شلت مجلس الأمن الدولي ومنعته من القيام بمهامه.