ما الذي تحمله زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى منطقة الخليج العربي في الأيام القادمة؟
ربما هي بالفعل زيارة مهمة إلى حد بعيد للحلفاء الذين أهملتهم إدارته في الأعوام الثلاثة الماضية، وعليه فإن أوباما بزيارته هذه لا يرسل رسالة رمزية حول التزام الولايات المتحدة ببلدانهم فقط، بل سيعمل على تشجيع القوى الإقليمية لتحمل المزيد من المسؤولية تجاه جيرانها، مع دخول واشنطن في علاقات نهايات مفتوحة في الشرق الأوسط..
هل تعني هذه الزيارة أن هناك بوادر تغيرات وتحولات في السياسات الأميركية تجاه المنطقة؟ يمكن الإشارة بداية إلى أن الدبلوماسية الأميركية تعاني بالفعل من تعثر واضح في علاقتها مع المملكة العربية السعودية ومصر بنوع خاص، وهما دولتان مركزيتان في المنطقة، بل إن الرياض تحديدا باتت تمثل ذاتها وتنوب عن القاهرة التي تتعرض لضغوط أميركية واضحة، منذ ثورة 30 يونيو التصحيحية.
هل أدرك أوباما وإدارته أن شيئا ما خطأ في سياساته الخارجية لا بد من إعادة جبره بعد أن انكسر ويكاد أن ينفصل؟
قبل أن يقوم أوباما بزيارته المرتقبة للمنطقة، قام بتعيين "روبرت مالي" مديرا رفيع المستوى في مجلس الأمن القومي، الأمر الذي وصف بأنه رسالة تهدئة لمنطقة الخليج، ومؤشر على تغيير دور أميركا في الشرق الأوسط.
من هو "روبرت مالي"؟ وهل كان حاضرا في المشهد السياسي الخارجي الأميركي من قبل؟ ولماذا تعني عودته علامة إيجابية في السماوات المضطربة بين أميركا والعرب؟
شخصية "روبرت مالي" مثيرة للنظر والتأمل، فهو يهودي غير "كاره لنفسه"، متفاعل مع العالم العربي الإسلامي وقضايا التحرر فيه، مولود لأب يهودي مصري عمل في الصحافة المصرية، وهو حاصل على عدة شهادات دكتوراه في القانون، كما أنه عالم سياسي مختص في فض النزاعات، وعمل مديرا لبرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية في واشنطن.
كانت آخر مهمة رسمية تولاها مالي في البيت الأبيض، هي العمل كمبعوث للسلام في الشرق الأوسط ومستشار للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون..
هل هناك بالفعل حاجة إلى "مالي"؟ قطعا إن الملفين الفلسطيني والسعودي في مقدمة الملفات التي يحتاج فيها أوباما لرؤية "مالي"، فبالنسبة للملف الأول فإن الرجل لديه خبرة عريضة في الاتصال بالفلسطينيين، وقد سارع بعض الصحف الأميركية إلى وصف الرجل بأنه "الشرير"، وأنه "مستشار لحماس"، "ومحامي ياسر عرفات"، وذلك بعد تعيين أوباما الأخير له.
أما الملف الثاني فيتصل بحالة العلاقات السعودية الأميركية، وهي حالة متردية في الأشهر الأخيرة، وخاصة بعد التقارب الأميركي الإيراني، والاتفاقية الأولية المعروفة بجنيف-2، هذا بجانب الرفض السعودي للتخاذل الأميركي الذي تراه الرياض بالنسبة للملف السوري.
في هذا الإطار يعلق أوباما وإدارته الكثير على فكر ورؤية روبرت مالي، من أجل إيجاد حلول غير تقليدية، بل وابتكار خطوط طول وعرض جديدة للسياسات الأميركية تجاه إيران، ومحاولة التوصل معها إلى اتفاقيات بشأن برنامجها النووي، على أن تكون تلك السياسات مقبولة ومرضيا عنها من الجانب السعودي، وهو أمر صعب للغاية ويحتاج إلى عبقرية سياسية، خاصة وأن هناك مسحة للخلاف الدوغمائي العقائدي، تغلف الخلاف والتباين السياسي حول الملف النووي.
حاجة أوباما إلى "روبرت مالي" تتضح من خلال قراءة توجهات الرجل السياسية، فعلى صعيد الملف الإيراني معروف أن مالي هو أحد كبار الرافضين لتوجهات أميركا وسياسات الأميركيين الرافضين طولا وعرضاً، شكلا وموضوعاً، للتعاطي مع إيران والمحور الذي تمثله في المنطقة، عبر المفاوضات والحوارات والنقاشات.
وللرجل خبرة متقدمة في هذا المضمار، وإن اتصلت بالملف الفلسطيني. ففي الوقت الذي توجه له التهم بأنه رجل حماس، الذي عقد لقاءات سرية مع رجالاتها عام 2008، نجده يدفع عنه هذا الاتهام، بالقول إن عمله لم يكن سرا، وجاء في إطار عمله في مجموعة الأزمات الدولية، حيث كان عليه أن يلتقي بكافة الأطراف والأطياف الفلسطينية، لتبيان حقيقة الأمور وطبائع الأشياء على الأرض، وقد أكد على أن عزل أو إقصاء أي فصيل عن عملية المفاوضات الجارية، حتما سيؤدي إلى إفشال عملية السلام برمتها، وسيتسبب في نشر الفوضى والدمار.
في أواخر أكتوبر 2012، كتب روبرت مالي ورقة بحثية من الأهمية بمكان، تتعلق بثورات أو صحوات الربيع العربي، كان عنوانها مثيرا للغاية: "هذه ليست ثورات"، ووصف ما جرى بأنه كله كذب وهزل، ووصف الشرق الأوسط بأنه: "ديني مسكون بالماضي، ينطلق في صراخ محموم وغير منتظم من أجل السلطة، من دون قواعد وقيم أو نهايات واضحة".
والمؤكد أن هذه الرؤية قد أعادت للساكن غير السعيد في البيت الأبيض، قدرته بدرجة أو بأخرى على قراءة حال ومآل المنطقة العربية، حتى وإن أنكر إدراكه لذلك.
عودة روبرت مالي، تعني إقرار أميركا بأن هناك خطأ في السياسات والأشخاص الذين تعاطوا مع العالم العربي في السنوات الثلاث الماضية، ومهمته الأولى تصحيح تلك الأخطاء، والبداية من خلال التأكيد على أن هناك أساساً قوياً للغاية تجاه التزام واشنطن بأمن بلادهم، وتقديم تلك التأكيدات سيكون إحدى المهام الرئيسية في عمل مالي في البيت الأبيض.
زيارة أوباما للسعودية برفقة مالي، هي كذلك زيارة غير مباشرة لمصر، فهل سنشهد تغيراً أوباميا بفعل عقلية مالي، خاصة وأن مصر على أبواب انتخابات رئاسية؟
الرياض - القاهرة - القدس، ثلاثة ملفات ربما يبدع مالي في إيجاد وسائل وآليات للتعامل مع إشكالياتها بطريقة غير مسبوقة، لا سيما أنه عمل من قبل على إنشاء مجموعة مفوضة لاستنباط أفكار حول كيفية منع أو حل الصراعات الميتة.. فهل يصلح مالي ما أفسده أوباما؟