كيف تنظر واشنطن إلى المشير عبد الفتاح السيسي؟

قبل الجواب المباشر، علينا الإشارة والتأكيد على أن المؤسسة العسكرية المصرية تعتبر منذ القدم وحتى الساعة، أهم مكونات المنظومة السياسية والأمنية في الدولة المصرية، انطلاقاً من قدرتها على حفظ النظام والاستقرار من احتمالات التدخلات الخارجية أو فشل الحكومات المتعاقبة.

والشاهد أن هذا المكون قد احتل في قلوب المصريين مكاناً كبيراً جداً بعد 30 يونيو 2013، وعلى رأس هذا المكون بدأ أيضاً الجنرال السيسي هو رجل الساعة، وكان القدر على موعد جديد مع إفراز متجدد لتلك الجماعة الوطنية العسكرية من أجل قيادة مصر.

في هذا الإطار يضحى من المهم بالفعل النظر إلى واشنطن التي كانت طوال العقود الثلاثة المنصرمة، الحليف الأقرب والأكبر والأنفع والأرفع لمصر عامة وللمؤسسة العسكرية المصرية خاصة، وكيف ترى السيسي.. فماذا عن ذلك؟

بداية تجب الإشارة إلى أن واشنطن لا تنظر إلى المشير السيسي نظرة واحدة، فضمن حالة الاضطراب والضبابية التي تعيشها إدارة الرئيس باراك أوباما، هناك أكثر من جهة لها أكثر من رأي أو توجه.

فعلى سبيل المثال، وقعت الخارجية الأميركية في حالة من الشك والحيرة تجاه توصيف ما جرى في 30 يونيو، وهل هو ثورة أم انقلاب عسكري؟ وقد استمرت هذه الحيرة بضعة شهور، قبل زيارة الوزير جون كيري لمصر وإعلانه صراحة أن واشنطن مع إرادة الشعب المصري وخريطة المستقبل.

الاتجاه الثاني، والذي يتماشى مع المشير السيسي بشكل فاعل، هو اتجاه البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)، حيث التواصل بشكل مستمر ومستقر بين وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل والسيسي.

أما المفردة الثالثة في هذا السياق فتتعلق بالبيت الأبيض، حيث لا يذكر أن اتصالاً ما جرى بين المكتب البيضاوي وبين السيسي حتى الساعة، وهو أمر تفهم أبعاده ولا شك في ضوء الاختراق الإخواني لإدارة أوباما.

على أن السؤال الجوهري والمصيري؛ ماذا سيكون الحال في واشنطن بشكل عام وفي اتجاهاتها المتباينة، حال اجتماع المصريين على اختيار المشير السيسي رئيساً للبلاد بعد نحو شهرين من الزمان؟

حتماً يتحدث الجميع هناك حديثاً دبلوماسياً عاماً، مفاده أن القرار هو قرار الشعب المصري، غير أن واقع الحال ربما يتضح من خلال ما يتم من أوراق بحثية في مراكز الأفكار الأميركية القريبة من صناعة القرار في واشنطن، وكذلك عبر ما تشير إليه الأقلام المهمة وذات التأثير في الرأي العام.

علامة الاستفهام الأولى التي تتردد في كل الأوساط الأميركية: هل السيسي هو عبد الناصر القرن الحادي والعشرين؟

في نهايات يناير الماضي، كتب "ماكس ستراسر" من "فورين بوليسي" تحت عنوان "السيسي وعبد الناصر في صورة واحدة"، إن السيسي "رغم لعبه بورقة العداء لأميركا، إلا أنه ليس عبد الناصر المعادي للإمبريالية، ورغم قوله في وقت سابق إن الولايات المتحدة تدير ظهرها لمصر، إلا أنه يبقي على اتصال مستمر بوزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، وتحدث معه هاتفياً نحو 25 مرة منذ يوليو الماضي".

بعض الأصوات الأخرى مثل الباحث الأميركي المعروف "ستيفين كوك"، وعبر مجلس العلاقات الخارجية الأميركية، أحد أهم المراكز التي ترسم سياسات الخارجية والبيت الأبيض على حد سواء، تؤكد أن "السيسي..

جمال عبد الناصر جديد"، لكنه يحاول إضفاء مشاهد من السلبية المطلقة على السيسي، فيقول: "في عهد عبد الناصر تم تشكيل محاكم استثنائية للإخوان أمرت بإعدام عدد من قياداتهم، وعلى هذا فإنه على أميركا ألا تشجع على طموح السيسي، ففي حالة اتجه السيسي نحو الديكتاتورية فإن مصر لن تستطيع بعدها أن تحافظ على العلاقات القريبة بينها وبين الولايات المتحدة".

اتجاه ثالث يحمل السم في العسل، كما يقال، للمشير السيسي، ضمن سماوات الفكر الأميركي، عبر عنه "ناثان براون" أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة "جورج واشنطن" والباحث في معهد دراسات الشرق الأدنى القريب من الدوائر الصهيونية، والذي يقدم رؤية تندرج تحت سياق "التنبؤات التي تحقق ذاتها بذاتها"، فتحت عنوان "فصل ربيع السيسي" كتب: "إنه بغض النظر عن أداء سياساته، فرئاسة السيسي من المحتمل أن تكون مخيبة للآمال، ولكنها لن تكون كارثية مثل محمد مرسي".

وفي كل الأحوال، يبدو أن راسمي السياسات الخارجية الأميركية قد تكشف لهم أن السيسي أصبح حقيقة واقعة، وأن رئاسته لمصر باتت بدورها قضية قابلة وقادرة على التجسد في صورة انتخاب شعبوي ونخبوي كبير، وعلى هذا الأساس حتماً ستتعاطى واشنطن مع مصر من منطلق "لا تحارب الحقائق بل تعامل معها".

في الغالب لا تريد واشنطن أن تخسر اليوم أو غداً تحالفها مع مصر، فهي تدرك جيداً ما لهذا البلد من أهمية استراتيجية في المنطقة، رغم أية ضائقات اقتصادية أو اضطرابات سياسية يمر بها.

فحال سقوطه، لا قدر الله، في مزالق التفكيك والحروب الأهلية، فإن الشرق الأوسط والخليج العربي، وأمن إسرائيل، وتدفق نفط العرب، جميعها ستكون في مهب رياح عدم الاستقرار، ما يؤثر على العالم برمته ويزيد من اضطرابه سياسياً واقتصادياً.

وتعلم واشنطن كذلك علم اليقين، أن هناك قوى دولية أخرى لديها شوق بالغ لأن تجد موطئ قدم استراتيجي لها في مصر، كروسيا والصين، ما يصيب الحضور الأميركي التقليدي في الشرق في مقتل.

هل السيسي هو الكأس المر الذي يتوجب على الأميركيين شربه؟ الفضل الأكبر يعود للشعب المصري الذي استرجع قراره وإرادته، وما على الأميركيين سوى إدراك وتفعيل السياسات الواقعية، لا المثالية المزيفة، في التعامل مع مصر.