من منا لا يعي ويحفظ عن ظهر قلب، الحديث النبوي الشريف الذي يقول: "من غش فليس منا"، وليس من غشنا، وهنا فرق كبير، فالغش ممنوع سواء للمسلمين أو لغيرهم.

إنه قاعدة ذهبية، فهو ممنوع سواء كان في المعاملات التجارية أو في غيرها، لكننا هنا معنيون بتوضيح مفهوم الغش في المعاملات التجارية، فهل يجوز الغش في المعاملات التجارية؟ وكيف يصنفه القانون؟ وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه كثيراً ما نسمع عن الغش في المعاملات التجارية، لكن يختلط علينا فهم طبيعة الغش التجاري وتعريفه وعقوبته.

حقيقة، الغش التجاري بشكل بسيط، هو أن يقوم شخص ما أو مؤسسة ما، بغش شخص متعاقد معه في حقيقة صناعة أو طبيعتها، أو صفاتها الجوهرية، أو العناصر الداخلة في ترتيبها، كما يشمل نوع البضاعة أو مصدرها أو عددها أو مقدارها أو قياسها، كما يمتد الغش إلى وزنها او طاقتها.

ولأنه كذلك، كان لا بد من قانون ناظم وضابط وقادر على فرض وتنفيذ العقوبة بهذا الخصوص، حيث يعاقب من يقوم بالغش، بالحبس والغرامة، أو بإحدى هاتين العقوبتين مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد.

وهنا لا تنتهي المشكلة، حيث هناك من قام باستيراد البضاعة التي تعرضت للغش، أو من قام بالترويج لها وهو يعلم حقيقتها، وهنا جاء النص القانوني والتشريعي واضحاً، إذ قال المشرع: إن هذا الشخص يعاقب بذات العقوبة التي تقع على من يقوم بالغش بالشكل المباشر.

غالباً ما يشار إلى أنه حيث تزدهر التجارة والصناعة، تزدهر إلى جانبها بعض أعمال التزوير والتقليد والغش والتدليس والتلاعب في السلع التجارية، لخداع المستهلك، وذلك عن طريق تزوير العلامات التجارية وتقليدها، والغش في تركيبة بعض المواد، سعياً وراء الربح السريع والثراء الفاحش من قبل البعض، الذين تسول لهم أنفسهم استغلال القوة الشرائية الكبيرة لدى جمهور المستهلكين، والتسهيلات والدعم اللذين تقدمهما الدولة للمستثمرين من التجار والصناعيين، وسهولة عمليات الاستيراد والتصدير وإعادة التصدير، مما يؤدي إلى الإضرار بالسوق التجارية، وبالتالي الإضرار بالاقتصاد الوطني، وزعزعة الثقة فيه وهجرة الاستثمارات.

ومن هنا كان لا بد من سن تشريعات وقوانين تنظم كافة شؤون الحياة المدنية والتجارية وغيرها من النشاطات كافة، ومن بينها تلك النصوص القانونية التي تشير إلى طبيعة العقوبات المترتبة على من يقوم بفعل الغش، فيعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 5000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من زوّر علامة تجارية تم تسجيلها طبقا للقانون، أو قلدها بطريقة تدعو إلى تضليل الجمهور، وكل من استعمل بسوء القصد علامة تجارية مزورة أو مقلدة.

وكل من استعمل بغير حق علامة تجارية مسجلة ومملوكة لغيره، وكل من وضع بسوء القصد على منتجاته علامة تجارية مسجلة ومملوكة لغيره، وكل من باع أو عرض للبيع أو للتداول أو حاز بقصد البيع، منتجات عليها علامة تجارية مزورة أو مقلدة أو موضوعة بغير حق مع علمه بذلك، وكل من عرض تقديم خدمات تحت علامة تجارية مزورة أو مقلدة أو مستعملة بغير حق مع علمه بذلك.. وهذه لا تبتعد عن الغش كمفهوم وتطبيق.

ونص القانون أيضاً على ما يلي: يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبالغرامة التي لا تقل عن 5000 درهم ولا تزيد على 10000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استعمل علامة غير قابلة للتسجيل.

وكذلك نص القانون في شأن قمع الغش والتدليس في المعاملات التجارية، على أنه يعاقب بالحبس لمدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسمائة درهم ولا تتجاوز عشرة آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خدع أو شرع في أن يخدع المتعاقد معه بأية طريقة من الطرق في أحد الأمور الآتية: عدد البضاعة المباعة أو مقدارها أو مقاسها أو كيلها أو وزنها أو طاقتها أو عيارها أو مواصفاتها، وحقيقة البضاعة أو طبيعتها أو صفاتها الجوهرية أو ما تحتويه من عناصر نافعة، وعلى وجه العموم العناصر الداخلة في تركيبها.

باختصار، إن الغش بكل أشكاله وتجلياته وتطبيقاته وتفريعاته ممنوع قانونياً، ويستوجب عقاباً رادعاً، وهو ممنوع شرعاً وأخلاقاً، ما يعني ضرورة الابتعاد عنه ورفضه وعدم الموافقة عليه، تحت أي ظرف من الظروف، خصوصاً أنه يقود إلى حالة من الفساد المدمر.