عجباً عُجاب لأمر أولئك الموتورين من الخدم العمالة التي قدمت لتعمل وتساعد أهلها في بلادهم ولا يحترمون أو يحافظون على لقمة العيش هذه بل ويسيؤون لها.
وانطلاقاً من مفاهيم ديننا الحنيف وتقاليدنا العربية الأصيلة، وتراثنا الإماراتي الرحيب بإكرام الإنسان، والتعامل معه برفق وسخاء، وتقديم كل مقومات الحياة الكريمة من مأكل ومشرب تطبيقاً للمعاني النبوية الكريمة في التعامل مع الخدم والعمالة (نطعمه مما نطعم، ونلبسه مما نلبس، ونعاملهم كأنهم أحد أفراد الأسرة).
لكن ما فاجأنا به من خبر تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي ونقلته إحدى قنواتنا المحلية في تقرير مفصل ما تعرّض له أحد آبائنا من كبار السن للضرب والتعذيب على يد من استعنّا به بأجر على القيام بخدمته وإعانته في هذا العمر المتقدّم الذي لا حول له ولا قوة.
وقد تمت معرفة الامر بعد الشكاوى المتكررة لهذا المسن من سوء المعاملة التي يتلقاها من الخادم الى احد أقربائه ليقوموا بعدها بوضع كاميرا للمراقبة ومعرفة مدى مصداقية هذا الرجل الذي قد يتراءى للبعض بأنه خرف ولا يعي ماذا يقول أو يحدث من حوله لتنكشف بعدها صحة شكواه ويقوموا على إثرها بإبلاغ الشرطة التي قامت بدورها في القبض على الخادم.
أكاد لا أصدّق. فكيف يجرؤ إنسان مهما كان أسود القلب، ناقماً على الحياة، أن يقوم بضرب مسن كوالده لا حول له ولا قوة.
لم يستحِ من شيخوخته، فمهما كان انتماؤه إلى أي دين أو مذهب أو أي طائفة أو شعب، فإن الإنسانية كلها تدعو إلى الرحمة بالمسنين والعناية بهم، وتقديم يد العون لتمكينهم من العيش الكريم.
قد يظن الكثيرون بسهولة التعامل مع كبار السن، حيث إنها في الحقيقة من أصعب الامور التي قد تمر على المرء وتحتاج الى طولة بال وصبر وتشجيع لهذا المسن ورفع معنوياته والتي قد تصعب حتى على أقرب أبنائه فهي أقرب الى التعامل الى طفل ولكن بسن كبير.
لكن وبصراحة لا أضع اللوم على هذا الخادم فقط، بل إنني أحمّل أبناء الوالد المسن جزءاً من المسؤولية إن لم تكن كاملة، فبالرغم من أنهم خصصوا لخدمة والدهم من يقوم على خدمته، والسهر على راحته الا انه لا يعفيهم من تحمل المسؤولية الكبرى تجاهه وتذكر ماذا فعل هذا الوالد لهم من عمل وسهر وحرمان لكي يوفر لهم كل وسائل الراحة والنعم التي يعيشون فيها الآن، إن الحاجة ليست بتوفير الخدم .
والمكان الذي سيقضي فيه وقته وحيدا في بيته، فحريٌّ أن يعيش مع عدد من أفراد أسرته من بناته وبنيه وأحفاده، وأن يكون فردا رئيسيا يشاركهم كل شيء ولا يترك وحيداً مع وحش كاسر مثل هذا المخلوق الشاذ.
يقول الشاعر أحمد شوقي: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم... فلطالما استعبد الإحسانُ إنسانا
لمْ يفلح بهذا الخادم الإحسان ولا المعاملة الطيبة والعيش الكريم لكسب الرزق، إذا أكرمت الكريم ملكته، وإذا أكرمت اللئيم تمرّدا، فعلاً لقد صدق القول المأثور: اتّق شرّ من أحسنت إليه.
اليوم أدعو أسر الإمارات والجمعيات الاجتماعية، ووزارة الشؤون زيادة الاهتمام بالمسنين، وأن تضع شروطاً بمهام من يعمل في خدمتهم، واشتراط الخُلُق والدّين والرحمة في صفاتهم، وإجراء المقابلات لهم. وأيضا التعاون مع هيئة الهوية والتي تحوي معلومات عن المواطنين وعمل مسح عن الاشخاص التي تزيد أعمارهم على الـ70 عاما والتحري عنهم ومعرفة أين وكيف يعيشون، ومع من؟ والعمل على توفير ما ينقصهم، وأن نعلم بأننا على هذ الدرب سائرون ويوما ما سنكون مكان هذا المسن.
فلنعمل لهم الان لكي يعمل لنا مستقبلا.