كان من الطبيعي أن تصطدم العملية السياسية الراهنة بجدار كبير من التعقيدات التي زرعتها إسرائيل على الأرض، والاشتراطات التي بدأت بالحديث عنها منذ فترة غير قصيرة، وفي مقدمتها الاعتراف العربي والفلسطيني بـ«يهودية الدولة».

فقد جاء «اتفاق الإطار للحل الانتقالي» ليلبي تلك المطالب، في عملية سياسية «لا أملَ في نتائج عملية» قد تتمخض عنها، حتى لو قبل به الطرف الفلسطيني، فالفلسطينيون لن يقعوا هذه المرة في الكمين الإسرائيلي، ولن تحظى إسرائيل بالبصمة والتوقيع الفلسطيني في لحظات حرجة، لا يستطيع أي قائد فلسطيني مهما علا شأنه أن يرضخ فيها لما هو مطروح، نظراً لنتائجه وانعكاساته المُدمرة على عموم الحالة الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني بشكل عام.

وهو ما أعطى نتائجه بتوالد مناخات الرفض القوية التي تُسيطر على الساحة الفلسطينية. فالطرف الإسرائيلي يُصّر في مضمون اتفاق الإطار على عدم ذكر الانسحاب النهائي من الضفة الغربية حتى عشر سنوات، مع استمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية على مناطق غور الأردن، على طول الحدود الأردنية الفلسطينية، وبقاء المجال الجوي خاضعاً للسيطرة الإسرائيلية، مع رفض إقامة ميناء جوي فلسطيني في الضفة الغربية..

وأن يكون التفتيش على المعابر لهم مقابل إجراءات شكلية للفلسطينيين. السجال واسع في الحلبة الإسرائيلية الداخلية عموماً واليمينية خصوصاً، وأصوات عتاة المتطرفين داخل حكومة نتنياهو تتزايد وتتصاعد كل يوم، من أجل المزيد من «لي عنق» الفلسطينيين وفرض المزيد من التنازلات عليهم، وإنزال الموقف الفلسطيني حتى ما دون سقف الخطة الأميركية المطروحة، رغم المشاركة الإسرائيلية الخلفية وفي حلقة ضيقة من عتاة الأمن والعسكر، في طبخها مع الطرف الأميركي.

وفي هذا السياق، يمكننا أن نستأنس بنتائج استطلاعات الرأي الأخيرة في الدولة العبرية الصهيونية، ومنها استطلاع أجرته صحيفة معاريف ومعهد «ماجار موحوت» ونشرت نتائجه أخيراً، حيث تشير معطيات الاستطلاع إلى أن نحو 80% من الإسرائيليين لا يؤمنون بالتوصل إلى اتفاق سلام، ولا بأن المفاوضات ستؤدي إلى اتفاق مع الفلسطينيين.

كما أظهرت نتائج الاستطلاع إياه أن 73% ليسوا على استعداد للتنازل عن وجود الجيش الإسرائيلي في الأغوار ضمن اتفاق سلام أو تسوية، وأن 34% يعارضون اتفاقاً يبقي الكتل الاستيطانية وتبادل الأراضي والاعتراف بيهودية إسرائيل والانسحاب التدريجي من منطقة الأغوار، في حين أيد ذلك 34%.

وبالتالي فإن نتائج الاستطلاع تدل على أن هناك أغلبية مجتمعية إسرائيلية، ترى أن المبادرة أو الخطة الأميركية المعنونة بـ«الحل الانتقالي طويل الأمد والترتيبات الأمنية» المرفقة معه، لن تؤدي إلى اتفاق سلام أو تسوية مع الفلسطينيين.

وعليه، فإن حزب الليكود بجمهوره اليميني ويمين الوسط، يشهد الآن موجات من التذمر بشأن الخطة الأميركية، وقد تستولد حالته استقالات وسط وزرائه في حال موافقة نتنياهو على الخطة التي يقودها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، فالجانب اليميني في الائتلاف الحكومي يواصل رسم حدود أمام نتنياهو، في ما يتعلق بعملية التسوية مع الفلسطينيين.

أما الشريك الائتلافي في الحكومة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، وهو من عتاة المتطرفين ومن أصحاب دعوات الترانسفير، فإنه يقوم الآن بعملية إخراج لخطط ترانسفير ظلامية وغير مشروعة، ليكشف بذلك الوجه الحقيقي لحكومة نتنياهو، ويُعلن على الملأ أنه «لن يعمل على تأييد أي اتفاق سلام لا يتضمن تبادل سكان إلى جانب تبادل أراضٍ». وبالطبع فإن التبادل الذي يشير إليه ليبرمان، مدروس ومشخص تماماً، ويهدف لإحداث عملية ترحيل لمجموعات كبيرة من السكان الفلسطينيين، من مناطق داخل حدود 1948 إلى الضفة الغربية. لقد كان من

الطبيعي أن يُرَد على دعوات ليبرمان التي أثارت ردود فعلٍ غاضبة في أوساط فلسطينيي الداخل، أولاً لأنه يضعهم، وهم أبناء البلد وأصحابه الشرعيين، في موضع واحد مع الكتل الاستيطانية الاستعمارية الإجلائية، التي قامت على اغتصاب أراضي أبناء شعبهم في القدس والضفة الغربية.

وثانياً لأنه يحاول إعادة إنتاج نكبة جديدة في حقهم. فأفكار ليبرمان تُنبئ عن نية ومشاريع لإحداث نكبة ثانية لفلسطينيي 1948، عندما يعتبرهم كبيادق شطرنج يمكن تحريكها من هنا إلى هناك، على حد تعبير النائب العربي في الكنيست ورئيس القائمة الوطنية للتغيير الدكتور أحمد الطيبي.