ما الذي يمكن للمرء أن يقدمه لرئيس مصر الجديد الذي ستفرزه أصوات المصريين الذين سعوا عبر أرجاء المحروسة إلى اختياره؟ أغلب الظن أن الرجل الذي سيحمل مسؤولية مصر والمصريين في هذا المنعطف التاريخي، يستحق تحية وإجلالاً كبيرين لقبوله هذا المنصب المحمل بالآلام والمشاق، ومع المصريين عليه أن يخوض درب الآلام من أجل نهضة مصر والمصريين.
عشر وصايا يمكن للمرء أن يقدمها للرجل الذي يحمل أعباء وطن وشعب في حجم مصر بتاريخها، والهدف منها تذكير القادم من بعيد أن الوطن أول الأمر وآخره مودّات، وأنه شراكة أحلام، كما قال أديب فرنسا الكبير آندريه مالرو ذات مرة.
النصيحة الأولى التي يقدمها المرء، هي تذكير الرئيس القادم بأن وظيفته الجديدة لم تعد تمنح بقوة القانون ولا حتى عبر صناديق الانتخابات على أهميتها، إنما مصداقية الحاكم باتت اليوم تكتسب اكتساباً عبر ما يقدمه لوطنه وشعبه، من خلال قيادة كاريزماتية وطنية، واعية بما يدور حول الوطن، وما يجري داخله، وعليه فإن تثبيت جذور وأصول أي حكم وحاكم بات أمراً يُكتسب اكتساباً، ويرتبط بالاجتهاد، ومدى جديته في نشر أنساق ديمقراطية صالحة لخدمة مجتمعه.
الوصية الثانية التي يجب على صانع القرار في مصر اليوم مراعاتها، هي الاهتمام بالتيارات الشبابية المختلفة التوجهات والمشارب فكرياً وسياسياً، وقد أثبتت السنوات الثلاث الماضية أن هؤلاء طاقة كبرى قادرة على الإبداع والبناء، أو السير في الطرق الظلامية والهدم.
ولذلك لا بد من أفكار جديدة تعيد استيعاب جميع هؤلاء، في إطار المشروع القومي الواحد الخلاق. الوصية الثالثة هي حتمية امتلاكه خليطاً من الرؤى لفترة الحكم المقبلة لمصر، وبأي طريق ربما ينبغي أن تدار.
وأمام الرئيس الجديد مثالان قريبان جداً، الأول في النظام الأسبق الذي تحكم في العقد الأخير له رجال الأوليجاركيات وطبقة رجال الأعمال، الباحثين عن تحقيق مصالحهم الخاصة، دون النظر إلى بقية طبقات الشعب المصري، ولهذا كانت ثورة 25 يناير. والثاني هو النظام الإخواني السابق الذي تملكته رؤية دينية مسيسة، وعمل أنصاره على عزل وإقصاء كل من يخالفهم الرأي أو التوجه.
الوصية الرابعة هي الحذر من الوقوع في فخ أو إغراء التجاوز، فالجميع يعلم أن السلطة بطبيعتها تملأ الإنسان بأوهام القوة التي تكاد تصل إلى الغرور في كثير من الأحيان، وهناك تعبير يستخدم على الدوام في الأدبيات السياسية، وفيه أن «السلطة المطلقة، مفسدة مطلقة».
الوصية الخامسة لإدارة مصر الجديدة تتلخص في كلمتين «المجتمع المدني»، هذه الأنشطة الشعبية التي تقوم عليها مؤسسات المجتمع المدني، تمد جموع المصريين بحالة معنوية قبل أن تكون مادية، بمعنى إظهار شكل من أشكال الشراكة الإنسانية، في أوقات المحن والعوز، وهو توجه إسلامي أصيل، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.
الوصية السادسة لرئيس مصر هي «الاستعانة بالكفاءات المصرية في الخارج»، ذلك أنه بعد هزيمة 1967 بدأ ما يشبه «الدياسبورا المصرية»، أي عمليات الهجرة من مصر ومن المصريين تحديداً، إلى خارج البلاد وفي قارات الأرض الست، وعبر خمسة عقود تقريباً باتت هناك أجيال مصرية مهاجرة، وأخرى تنتمي بحكم التاريخ إلى الجيل الثاني في المهجر، ضعيفة الاتصال مع الوطن.
في حين أن فيها كفاءات علمية وسياسية، اقتصادية وصناعية، ناهيك عن أن بعضهم من أصحاب رؤوس الأموال الكبرى، وجميعهم ميسورو الأحوال المالية، وقادرون على مد اليد لانتشال مصر من «عوزها» الاقتصادي الحالي.
الوصية السابعة متعلقة بالمناخات الاقتصادية للبلاد التي تحتاج إلى بلورة رؤية شاملة أقرب ما تكون إلى مشروع مارشال اقتصادي.
ويعلم الرئيس القادم أن مصر بلد غير فقير في موارده، فما من دولة حباها الله تعالى بمثل حدودها الشمالية وكلها سواحل، ويمر بها نهر النيل، وتوجد فيها مياه جوفية، وعلّمت العالم الزراعة منذ آلاف السنين، و60% من سكانها شباب دون سن الثلاثين، وطقسها من أجمل وأبدع ما خلق الخالق سبحانه، ورملها وصخورها وجبالها وصحاريها ملأى بالمعادن النفيسة والغاز والنفط والذهب.
وموقعها الجيوسياسي غير موجود في العالم، فهي وسطه ومنتصفه، وقناتها تربط العالم القديم بالجديد، وما من دولة على هذا الوضع يمكن أن تكون معدمة الموارد، ولكنها في حاجة إلى إدارة خلاقة، مثل إدارة سيدنا يوسف.
الوصية الثامنة تتعلق بالمهر الذي يجب أن يدفع بسرعة كبيرة لجموع المصريين الفقراء والمعوزين وغير القادرين على الانتظار سنوات طويلة، حتى تؤتي الخطط الخمسية أو العشرية أكلها، فهؤلاء في حاجة ماسة إلى مكاسب سريعة ومبكرة.
الوصية التاسعة هي إشراك المصريين في الحلم القابل للتحقق، أي حلم عودة مصر إلى الريادة وإلى أن تتبوأ موضعها وموقعها الذي كانت عليه، وذلك باسترجاع قوتها الناعمة في مجالات الحياة كافة.
الوصية العاشرة هي تأكيد مجال مصر العروبي، فليس سراً أنه عندما تضعف مصر يصاب الجسد العربي بفقدان المناعة، وعندما تقوى مصر يشتد الظهر العربي. مصر على موعد مع بستاني يقظ، يزهر في حديقتها زهور الأمل، وهذا يحتاج إلى عمل، إذا أراد المصريون بالفعل عبور الطريق إلى سجل الأحياء والخروج إلى النهار.