لم تعد الإمارات اليوم هي نفسها قبل عشر سنوات، أو حتى خمس، بل هي اليوم غيرها بالأمس، تمضي تسابق الزمان بلا هوادة.
حتى الأماكن تتغير، وتتغير بما يخلب الألباب حقاً، حتى أصبحت في مصاف الدول السياحية ذات المستوى المتقدم؛ يشمل ذلك سياحة الفن والاقتصاد والجمال، فضلاً عن السياحة العلاجية والعلمية؛ لكثرة ما يتوافر فيها من مرافق عامة متميزة غاية التميز، ودخول التخصصات الرفيعة والمتقدمة، ما جعل الإمارات محط أنظار لكثيرين.
فبالإضافة إلى أعداد السياح التي تتزايد يوما بعد يوم، يوجد التجار والمستثمرون والعمالة الصناعية واليد العاملة الوافدة بأعداد هائلة، والتي تجد في الإمارات ميداناً رحباً للأعمال في مجالات شتى؛ البناء والتجارة والصناعة والخدمة العامة.. هذا كله أدى إلى أن تكون في الإمارات أكثر من 200 جنسية، تعيش في إطار هذا المجتمع الآمن، مع ما تحمله كل مجموعة بشرية من عادات وتقاليد مختلفة.
وبما أن تطلعات قيادتنا الرشيدة عودتنا على السبق في تقديم أفضل المبادرات التي تبنتها حكومتنا الرائدة، وجعلت له الجوائز والإدارات التقييمية للتعريف بالجدوى الإنتاجية ومسيرة رفع الكفاءة التنفيذية، وبعد القفزة النوعية التي تجسدت بمشروع البطاقة الوطنية الموحدة التي باتت أحد إنجازات المكون الوطني واختصار وسهولة المعاملات والوصول إلى كافة المعلومات بسهولة ويسر.
دعاني ذلك إلى التأمل والمواصلة في استكمال هذا الإنجاز الوطني لبطاقة الهوية، وإضافة معلومة جديدة لها وهي الشيفرة البشرية (دي إن إيه) وهو علم تقنية الحمض النووي.
فما هي وسائل هذا التصور؟ لقد تصدر علم تقنية الحمض النووي أو ما يعرف بالشيفرة الوراثية (دي إن إيه)، أولويات المعلومات والأدلة الشرعية في قضايا إثبات النسب، وتعريف العائلات، وكذلك فض المنازعات وإحقاق الأدلة، وأيضا كمرجع في بعض القضايا والجرائم الجنائية.
ونظرا للكم الهائل من البشر الذي يعيش في الإمارات ويفد إليها من كل مكان، فهذه فرصة لجمع هذه المعلومات والاحتفاظ بها لتكون مرجعا قد يشكل مستقبلا بنكا عالميا لهذه المعلومات.
وإذا ما تم اعتماد هذه المبادرة فسوف تتضافر الجهود من الجهات المعنية لوضع اللوائح وتقنينها، وتحديد الاليات وخطة العمل للبدء بها، وإجراء مسح طبي لفحص «دي إن إيه» لجميع المواطنين والمقيمين، والقادمين إلى دولة الإمارات، مثل ما يتم أخذ بصمة العين أو اليد، حيث إن أخذ عينة لفحص «دي إن إيه» أسهل وأقل وقتاً من أخذ بصمة العين؛ إذ يعتمد على أخذ عينة من اللعاب بطريقة إدخال قطنة إلى الفم فقط.
ومثل هذا الإجراء سيساعد في الوقاية من آفات ومخاطر كثيرة، منها على سبيل المثال، الجرائم وتحديد نسب اللقطاء وإثباته، ومعاقبة من يرتكبون جرائم إلقاء أطفالهم، وتقديم المعلومات لإدارة الشرطة والجهات القانونية متى ما دعت الحاجة إلى ذلك، وغيرها من الفوائد الجليلة المترتبة على استخدام هذه التقنية.
وستكافح الجريمة أيضا، بجعل كل من يفكر في أي أمر غير قانوني سيراجع نفسه مرات عدة، وستعرف من تسول لها نفسها برمي جنينها في برميل النفايات أو أمام مسجد، أن معلوماتها موجودة، وسيتم إيجادها لا محالة، حتى لو هربت إلى أي مكان فسيتم إرسال هذا الجنين لها.
في النهاية قد نجد أصواتاً تقف في وجه تنفيذ مثل هذا المشروع، متذرعة بانتهاك الخصوصية وغيرها من الأمور، ولكن لو سألت إحدى شركات الهواتف المعروفة بضرورة عمل هذا الفحص للحصول على هاتفهم المميز، لوجدتهم من أول الناس موافقة لعمله.
إن تطور التكنولوجيا في عصرنا هذا لم يدع أي مجال للخصوصية؛ فكل ما يحتويه هاتفنا اليوم من أرقام وصور خاصة وغيرها من الأمور، متاح وتحتفظ به كبرى الشركات التجارية المصنعة للهواتف الذكية، وحتى بصمات أصابعنا وأعيننا مخزنة لديهم، لذلك أجد أن هذه الوسيلة من الإجراءات المهمة جدا، لحفظ الأمن وإحقاق الحقوق.