في مقابلة تلفزيونية مع شبكة «سي بي إس CBS» الأميركية، قال أوباما (22/6/2014) إنّ «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) «استغلّ حدوث فراغ في السلطة في سوريا لجمع الأسلحة والموارد وتوسيع سلطته وقوته على الأرض». وردّاً على سؤال عما إذا قرّرت واشنطن دعم قوات المعارضة المعتدلة في سوريا، فهل سيكون هذا الفراغ موجوداً؟ أجاب أوباما: «فكرة وجود قوة سورية معتدلة جاهزة لهزيمة الأسد ليست صحيحة، وبالتالي فإنّ الفراغ في كل الأحوال سيكون موجوداً».
وأوضح أوباما أنّ إدارته «استهلكت وقتاً طويلاً في العمل مع المعارضة السورية المعتدلة»، ولكن وجود معارضة مثل هذه قادرة على الإطاحة ببشّار يبدو غير واقعي و«فانتازيا»، بحسب تعبيره. حديث أوباما جرى في وقتٍ زار فيه الوزير جون كيري عدداً من الدول العربية والأوروبية لبحث الأزمة العراقية، إضافةً إلى إعلان «البيت الأبيض» عن اتصال هاتفي حصل يوم 23/6/2014 بين أوباما والرئيس الروسي بوتين.
الملفت للانتباه ما قاله وزير الخارجية المصرية سامح شكري بعد لقائه مع الوزير كيري، من أنّ «هناك توافقاً بينهما حول ضرورة حشد الجهود لمواجهة التحدّيات في المنطقة، ومنها الأوضاع في ليبيا وسوريا والعراق، إضافةً إلى الوضع بين إسرائيل والفلسطينيين». ففي هذا التصريح تأكيد على أنّ أهداف جولة كيري في المنطقة كانت شاملة لكل الأزمات المتفجّرة فيها، وأنّ التوجه الأميركي هو التعامل معها بـ«الجملة» وليس «بالمفرّق».
فهناك الآن إدراكٌ أميركي لأنّ ما حدث في العراق من هيمنة واسعة لجماعات مسلّحة متطرّفة، لا ينفصل عمّا حدث ويحدث في سوريا، وأنّ محصلة الأزمتين ستنعكس على لبنان والأردن، إضافةً إلى دول المنطقة كلها. ذلك كلّه يحدث بينما تحاول الإدارة الأميركية النجاح في ما راهنت عليه، منذ دخول أوباما للبيت الأبيض عام 2009، من معالجة سلمية للملف النووي الإيراني وإنهاء القطيعة الأميركية والغربية عموماً مع طهران، وهو ما يخضع الآن لمحكّ التنفيذ العملي، من خلال المفاوضات الدولية الجارية معها والتي سقفها الزمني هو شهر يوليو المقبل.
وكان واضحاً منذ نهاية العام الماضي، الاعتراض الإسرائيلي على نهج التفاوض الأميركي مع إيران، إضافةً إلى ما أبدته أطراف إقليمية أخرى من تحفّظات على التقارب الأميركي مع طهران، ممّا يجعل الإدارة الأميركية حريصة على ألا يكون تدخّلها العسكري المحدود المنتظر في العراق، سبباً لتعثّر مفاوضاتها مع إيران ما لم تنسّق معها، ولا أيضاً مدعاة تحفّظاتٍ من حلفاء أميركا في المنطقة في حال حصول تفاهمات أميركية/ إيرانية بشأن العراق ومستقبله.
لذلك، فإنّ حراك واشنطن الدبلوماسي الحالي حول الأزمة العراقية، مثلّث الأبعاد: داخل العراق مع حكومة المالكي ومع معارضيها، وعلى مستوى المنطقة مع طهران من جهة ومع حلفاء واشنطن الإقليميين من جهة أخرى، وعلى المستوى الدولي مع روسيا ومع حلفاء أميركا الأوروبيين.
فالمساهمة العسكرية الأميركية المتوقّعة في الحرب على المتطرّفين في العراق، سيقرّرها حتماً مقدار نجاح واشنطن في هذه الأبعاد الثلاثة.
لكن هل يمكن عزل ما يحدث في العراق عن تداعيات الأزمة الدموية السورية؟ هنا تأتي أهمّية ما قاله أوباما في حديثه التلفزيوني الأخير حول امتداد تنظيمات التطرّف من العراق إلى سوريا، وعدم قدرة المعارضة السورية المعتدلة على مواجهتها أو على إسقاط النظام. وهنا أيضاً أهمّية ما أعلنته المنظّمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية، من أنّ سوريا قد قامت بشحن آخر دفعة من مخزونها من السلاح الكيماوي، وهو ما كانت قد اتفقت عليه موسكو وواشنطن لمنع حدوث تدخّل عسكري أميركي في سوريا.
كيف يمكن لواشنطن الآن أن تضع حلولاً لأزماتٍ ساخنة في «الشرق الأوسط»، دون أن تثير خصومها الإقليميين والدوليين ودون أن تغضب أصدقاءها في المنطقة؟! ربما تتّضح هنا أهداف جولة كيري ومغزى تصريحات أوباما، إذ إنّ كل الأطراف، الخصمة والصديقة لواشنطن، تعتبر الآن جماعة «داعش» منظمة إرهابية تجب محاربتها.
وقد يكون ذلك هو القاسم المشترك الذي تراهن عليه إدارة أوباما، بحيث تضع صيغاً توافق عليها تحديداً موسكو وطهران والسعودية ومصر، وتشمل الأوضاع في العراق وسوريا ولبنان، ممّا يمهّد أيضاً لتعاملٍ دولي وإقليمي مشترك مع الملف الفلسطيني، قبل حلول الخريف القادم واستحقاقاته في الأمم المتحدة، وقبل الانتخابات التشريعية الأميركية في نوفمبر المقبل.
ربّما تكون هذه هي الفرصة الوحيدة المتاحة حالياً لإدارة أوباما، لتحقيق تسويات سياسية في «الشرق الأوسط» تحافظ على المصالح الأميركية، وتمنع انتشار خطر الإرهاب والتطرف المسلّح الذي سيسود المنطقة والعالم في حال الفشل في هذه التسويات.
فالولايات المتحدة مسؤولةٌ بشكل كبير عمّا حدث ويحدث في العراق وفي وسوريا وفي بلدان أخرى في المنطقة، نتيجة السياسات التي اتّبِعتها واشنطن منذ مطلع القرن الحالي، والتي خطّطت لها جماعات أميركية/ صهيونية منذ منتصف التسعينات بالتنسيق مع قيادات إسرائيلية، وجرى البدء في تنفيذها عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.
ثمّ من خلال غزو العراق، ثمّ بدعم الحروب الإسرائيلية على لبنان وفلسطين، ثمّ بالمراهنة على إسقاط أنظمة عن طريق العنف المسلّح وبدعمٍ لجماعات دينية سياسية، والمساعدة على إشعال أزمات داخلية، وتوظيف المشاعر الطائفية والمذهبية في الصراعات مع الخصوم.
وها هي واشنطن، ودول أخرى، تحصد نتائج سلبية على مصالحها، بعدما زرعت أيديها بذور هذه الأزمات المتفجّرة الآن. وقد تنجح إدارة أوباما وقد تفشل في ما قد يكون صياغةً جديدة لـ«شرق أوسطٍ جديد»، لكن إلى متى يبقى العرب في حال المراهنة على الخارج لحلّ مشاكلهم، بينما تنخر الصراعات والانقسامات أجسادهم؟!