يُعتبر التجمع الفلسطيني اللاجئ في سوريا مجتمعاً نشيطاً ومبادراً على كل محاور الحياة، كما هو حال التجمعات الفلسطينية اللاجئة في البلدان العربية الأخرى.

فالنكبة وآلام اللجوء والشتات، ولدّت طاقات هائلة في نفوس اللاجئين الفلسطينيين أعطت نتائجها بسيادة روحي الإقدام عند الفلسطيني، وسيطرة إرادة التحدي أمام معترك الحياة وصعوباتها القاسية وتحدياتها.

وتزامنت نكبة فلسطين مع سنوات الاستقلال الأولى لسوريا، فشكّل اللاجئون الفلسطينيون الذين وصلوا البلاد لتوهم، عاملا بنّاء في الجوانب الاقتصادية والثقافية التربوية التعليمية والسياسية، وفي باقي أوجه الحياة في القطر العربي السوري. وبرزت منهم أسماء لامعة في صفوف الأنتلجنسيا العربية وفي حياة سوريا على مُختلف الصعد، وخصوصاً في مخيم اليرموك الذي تحوّل مع مرور الزمن لسوق تجاري يُعتبر من أكبر الأسواق التجارية في دمشق وحتى على مستوى سوريا.

وتشكل القوة البشرية المنتجة بين الفلسطينيين في سوريا 63,8% من إجمالي المجموع المقدر مع نهاية 2013، بنحو 532 ألف نسمة.

ويستوعب القطاع العام في سوريا أكثر من ثلثي عدد المُشتغلين بأجرٍ، حيث تتألف القوة البشرية من قسمين: فئة من هم خارج قوة العمل لكنهم لا يعملون ولا يبحثون عن العمل، كالطلبة والمتقاعدين وربات البيوت والذين يعيشون من إيراد استثماراتهم. والفئة الثانية تضم قوة العمل من ذوي النشاط الاقتصادي. مقابل ذلك، بلغ معدل النشاط الاقتصادي الخام للاجئين في سوريا نحو 28.9%، والغالبية تعمل في القطاع الحكومي السوري، وبشكل رئيسي في الخدمات العامة التي تتضمن قطاع التعليم والصحة والأعمال الوظيفية والمحاسبة وغيرها.

ووفق البحوث الميدانية التي أجراها المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن نحو 74% من إجمالي العاملين الفلسطينيين في سوريا يعملون بشكل دائم، في حين لا تتعدى نسبة المشتغلين بأعمال موسمية أو متقطعة 26%.

ويضم قطاع التربية والتعليم عددا كبيرا من العاملين الفلسطينيين، الذين ساهموا منذ لحظات قدومهم الأولى لسوريا في بناء هذا القطاع وتطويره، خصوصا بالنسبة لتدريس اللغة الإنجليزية والمواد العلمية، حيث تُعتبر سوريا الدولة الوحيدة التي خرجت من تحت عباءة المستعمر الفرنسي ولم تتخذ من لغته لغة ثانية في التربية والتعليم، بل اتخذت الإنجليزية لغة ثانية للتعليم في المدارس، والفضل في ذلك يعود لوجود مُدرسي اللغة الإنجليزية من لاجئي فلسطين الذين ساهموا في هذا الميدان.

وبشكلٍ عام لم تكن تخلو قرية أو بلدة سورية على امتداد خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، من مُدرس فلسطيني، وكذلك الأمر على مستوى الجامعات، وحتى في الإسهام في قيام بعض الكليات وتأسيسها، ككلية التربية في جامعة دمشق على سبيل المثال، والتي قامت عام 1954 وكان على رأسها العديد من ذوي الاختصاصات العالية في هذا المجال، ومنهم الدكتور فخر الدين القلا، والدكتورة فاطمة الجيوشي على سبيل المثال..

ولا ننسى هنا القامات الكُبرى في ميدان التعليم العالي، كالدكتور حسام الخطيب، والدكتور محمد توفيق البجيرمي.. ومجموعة كبيرة من دكاترة كليتي الطب والهندسة بكافة فروعها، إضافة لكلية العلوم التي كان من مؤسسيها الدكتور المقدسي محمد زياد القطب، ومعه الدكتور أحمد الحاج سعيد والدكتور خضر الأحمد..

أما الأعمال المهنية، فقد أبدع فلسطينيو مخيم اليرموك وسوريا بشكلٍ عام في جوانب كثيرة منها، وأدخلوا العديد منها لسوريا، وتحملوا متاعب الأعمال الشاقة والمُضنية جداً، وقد ساهمَ المعهد المهني التابع لوكالة الغوث (VTC) ومنذ تأسيسه أواخر خمسينيات القرن الماضي، بتخريج الآلاف من الشبان الفلسطينيين بمهنٍ نوعية وجيدة، مكنتهم من شق سبل الحياة الكريمة ورفد المجتمع المحلي بتلك المهن.

أما مساهمة المرأة الفلسطينية اللاجئة في النشاط الاقتصادي في سوريا، فقد بلغت عام 1998 على سبيل المثال نحو 23,5%، واستحوذ قطاع الخدمات على 59,5% منهن، والصناعة التحويلية 26,5%، وباقي النسبة توزع على القطاعات الاقتصادية الأخرى، ولوحظ أن 70% يعملن بصورة دائمة نظراً لأن الغالبية يعملن في القطاع العام.

ويلحظ وجود دخول الأطفال سوق العمل لأسباب شتى، ووفق تحليل بيانات واقع التعليم وعمالة الأطفال الفلسطينيين في سوريا، فإن 37,7% من تلك العمالة من أجل إعالة أنفسهم، ونحو 15% لإعالة أُسرهم و42,9% لمساعدتها، ونحو 4,4 لأسباب غير مذكورة.

تلك وقائع بسيطة من حياة الشعب الفلسطيني في مخيم اليرموك وعموم سوريا، سيرة مضنية لشعبٍ مُثقل بالآلام، وجراحه ما زالت غضة وطرية ومعفرة بالتراب، وقد باتت آلامه أكثر وأعمق مع نكباته الأخيرة، ومنها نكبة اليرموك.