حينما نقرأ ما خطه التاريخ ونرى ذلك مجسداً على أرض الواقع، لا نملك إلا أن نحمد الله الذي منح أمتنا العربية والإسلامية الكثير من العظماء الذين حملوا مشاعل التطور والتقدم وتجشموا المشاق وتغلبوا على المصاعب والمعوقات، ومنهم المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وهو من الشخصيات العظيمة في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، ورفيق درب المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في تأسيس دولة الاتحاد وتحقيق الحلم الغالي.

كان الشيخ راشد ذا عقل راجح وبصيرة نافذة، وكان حاكماً محبوباً من شعبه لما اتسم به من حكمة وسعة صدر وخلق عظيم ورجاحة عقل، وقدرة على مواجهة الظروف القاسية بصبر وإيمان عميق يكمن في نفس مؤمنة بأن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق العظيم، وجعل كل وقته وجهده وكل ما لديه لنهضة دبي، حتى صارت لؤلؤة الخليج ودرة نفيسة تروي حكايات نهضتها وتطورها في العالم أجمع.

إنها عظمة قيادة المغفور له الشيخ راشد، الذي حقق التميز وهيـّأ الظروف لتحقيق المزيد. والنعمة الأكبر والأثمن من الله على هذه الأرض الطيبة، هي شخصيات هذه الدولة العظيمة التي غيرت وجه التاريخ، حيث كان المغفور له الشيخ راشد بن سعيد من أهم الوجوه السمحة والطيبة التي اعتمدت مبدأ البساطة والاستماع للجميع، وقد صدقت رؤيته الحكيمة في تحقيق الكثير من النجاحات التي شهد لها القاصي قبل الداني.

انطلق الشيخ راشد رحمه الله، منذ صباه نحو التشييد والبناء، وكان هدفه أن يُحدِث ثورة عمرانية لم تشهدها البلاد من قبل، وهذا الأمر كان يحتاج إلى عطاءٍ لا ينضب وجهد لا يعرف الكلل أو الملل، وحباه الله هذه الميزة التي جعلت منه قائداً بارزاً منذ طفولته وبكل ما تحمل كلمة قائد من معانٍ، حيث برز رحمه الله كقائدٍ شاب واستطاع بكل مقدرة أن يكسب من حوله الرجال كسباً قائماً على الكفاءة والمعرفة التي بدأت تظهر بوضوح على القائد الشاب، والتي لمسها رفاقه فيه عن جدارة واستحقاق. كان حريصاً رحمه الله على أن يكون لدبي شأن خاص ومكانة خاصة وأسلوب مميز لا مثيل له، ويؤكد من عاصره من رفاق الصبا أنه كان يلتهب حماسة ويتدفق نشاطاً، من أجل أن يخلق من الصحراء ودبي تحديداً مدينة حديثة تباهي في جمالها مدن العالم المعاصر.

وكان يراقب عن كثب أسلوب والده الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم رحمه الله، فاقتبس منه ما شاء له أن يقتبس من صور تمثل الديمقراطية كما عرفتها الإمارات من دون زيف أو تلوين، تلك الديمقراطية التي كانت تنبع من منبع عربي إسلامي بدوي أصيل.

واهتم رحمه الله بتوفير مناخ ملائم للتجارة وبرزت جهوده أيضا في التطوير العمراني والنهضة الشاملة التي شهدتها الإمارات في بداياتها، من بناء المرافق العامة والبنى التحتية، وكان حريصاً على تقوية العلاقات مع دول الخليج والدول الأخرى، وبرزت اهتماماته في مناقشة قضايا أمته وشعبه العربي والإسلامي.

ومن أبرز ما قاله رحمه الله عقب تشكيله الحكومة بعد قيام الاتحاد حول الخطوط العريضة التي تنتهجها الحكومة »إنني إذ أقدِّر ضخامة المسؤولية أرى لزاماً عليّ أمام أهلي وبلدي أن أكون واضحاً بما أنادي به وبما أعتقد أنه كفيل بتحقيق الأهداف والتي من أجلها تقبلت حملي الأمانة، وإنني والوزراء لا نعد بتحقيق المعجزات ولكننا سنبذل أقصى ما نستطيع للسير باتحادنا قدماً في شتى الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا يتطلـب مشاركة المواطنين كل في اختصاصه وميدان عمله في تحمل مسؤولية أداء الواجب فالمسؤولية بيننا مشتركة جميعاً ولا مجال للتهرب منها«.

ومن أصدق ما قاله المغفور له الشيخ زايد في وصف المغفور له الشيخ راشد رحمهما الله: كان رجلا ً بـاراً من رجالات هذا الوطن وفارساً من فرسانه ورائداً من روّاد وحدته وبناة حضارته وإذا كان قد انتقل إلى مثواه الأخير فإن ذلك لا يعني أن يغادر ذاكرتنا أو حياتنا بل سيبقى رحمه الله خالداً في القلوب وفي المقدمة بين الذين يزخر تاريخهم بجلائل الأعمال.