«إن انتظار تقارير نسبة سعادة الجمهور ورضاهم عن الخدمات الحكومية بشكل سنوي أو فصلي لا يلبي الطموحات، لأن العالم اليوم يتغير بسرعة، وتوقعات الناس أيضا تتغير بسرعة، ولا بد من رصد ذلك بشكل يومي، وإسعاد الناس مهمة لا تحتمل التأجيل»، وتطوير وتغيير الخدمات عمل يومي، وتأثيره في سعادة الناس تأثير حقيقي..
ولذلك سمينا المبادرة الجديدة «مؤشر السعادة»، وسنرصد هذا المؤشر عبر تقارير يومية حقيقية من الميدان. هذا المؤشر سيُحدث ثورة علمية ومعلوماتية، فالسعادة لم تكن في يوما مؤشراً يتم قياسه، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، استطاع أن يخلق مؤشراً جديداً، وأنا على يقين بأن كليات الإدارة ستتحرك لتغطيته أكاديمياً وبحثياً وسيحدث تغييراً معلوماتياً، نوعاً وكماً، من خلال الأبحاث العلمية التي ستتعمق في توضيح مضمون هذا المؤشر الجديد في علم الجودة الحديث. إن مؤشر السعادة لن يتحقق إلا بتوفير كمية كبيرة من الخدمات الحكومية،..
وهذا التحدي لن يتحقق بمجرد توفير خدمات جيدة أو بدرجة معينة من الجودة، وإنما يجب أن تكون لتلك الخدمات قيمة مضافة تتمثل في سعادة المتعامل. رحمك الله يا والدنا زايد، فقد كنت حريصا جدا على سعادة المواطن الإماراتي، ولن ننسى ضيقك عندما علمت بأن بعض المواطنين يسكنون الشقق، وحديثك الحنون عن ذلك.
ومن ناحية أخرى، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الاستراتيجية الوطنية للابتكار، حيث قال سموه: «الاستراتيجية الوطنية للابتكار هي أولوية وطنية للتقدم، وأداة رئيسة لتحقيق رؤية 2021..
ومظلة جامعة للطاقات والكوادر المتميزة والفاعلة في دولة الإمارات، كنا وما زلنا ننادي بالإبداع في كافة المجالات، واليوم نريد تطبيقاً للإبداع عبر استراتيجية وطنية للابتكار، تعمل على تقديم منتجات وخدمات حقيقية ترتقي بالحياة وتدفع بالاقتصاد لآفاق جديدة». وتعمل الاستراتيجية من خلال أربعة مسارات متوازية، وسأركز في حديثي على مسارين هما:
المسار الأول الذي يركز على إرساء بيئة محفزة للابتكار، من خلال توفير بيئة مؤسسية وتشريعات محفزة وداعمة للابتكار والتوسع في دعم حاضناته، والتركيز على البحث والتطوير في مجالات الابتكار، وتوفير بنية تحتية تكنولوجية تدعمه وتحفزه في كافة القطاعات. أما المسار الثاني فيركز على تطوير الابتكار الحكومي، من خلال تحويله لعمل مؤسسي، وتطوير منظومة متكاملة من الأدوات الحديثة لمساعدة الجهات الحكومية على الابتكار.
وتوجيهها لخفض مصروفاتها بنسبة 1% تخصص لدعم مشاريع الابتكار وإطلاق برامج تدريبية وتعليمية للابتكار على مستوى الدولة. فالمحوران يركزان على إعداد تشريعات تدعم وتحفز الابتكار، وتخصيص مبالغ مالية من الموازنات لدعمه، من خلال التدريب والتعليم لأنهما السبيل المثالي لتطوير الكوادر الوطنية وتغيير المفاهيم العامة المرتبطة بالابتكار.
ولعل من أجمل المفاهيم في القوانين الدولية، مفهوم حق الفرد في السعي لتحقيق سعادته، فما يحقق السعادة لأحدهم قد يختلف عن ما يحققها لشخص آخر، كما أن المجتمع يجب أن يخلق الظروف الصحيحة التي يستطيع فيها كل مواطن أن يسعى لتحقيق سعادته وفق المعطيات التي توفّرها له الدولة. وسعادة الفرد في المجتمع ليست مجرد غاية إنسانية مثالية، بل هي أيضاً ضرورة اجتماعية واقتصادية..
وعادة تقنن الدول ما يخدم سيادتها في حين أن دولتنا تقنن ما يخدم سيادة الشعب ويحقق سعادته. فالعلم والمعرفة وُجِدا في الأصل لإسعاد المواطنين، فإن لم يتحقق ذلك فلا فائدة منهما، وقد أكّد على ذلك الفيلسوف الألماني كريستيان توماسيوس بقوله: «ليس في إمكاننا أن نضفي صفة العلم على أي معرفة لا تكون ذات فائدة في حياة البشر ولا تقود إلى سعادتهم».
إن الابتكار كلمة تلفت الانتباه، وإذا سمعناها فإنها تذكرنا بالتميّز والتفرد. وللابتكار مفاهيم عديدة تختلف في الألفاظ وتتفق في المعاني والأهداف، إذ يمثل الابتكار غالباً رمزاً للموهبة الخلاقة، فهو السلوك الإنساني الذي يؤدي إلى تغيير في ناتج المواد المستخدمة، يتّصف بالجدية والأصالة والفائدة الاجتماعية.
وإذا كان الابتكار سلوكا إنسانيا واجتماعيا، فإن القانون وسيلة لضبط السلوك، ومعني بتلك المسارات الأربعة التي أطلقها صاحب السمو. وفي اعتقادي أن القانون هو الحلقة المفقودة..
أو الأضعف لدينا. إن الابتكار يجب أن يكون في القانون، وتحفيز الابتكار إن لم يكن مقنّنا فلن نستطيع أن نبني بيئة محفزة للإبداع والابتكار، بل القانون ذاته يجب أن يصاغ بطريقة مبدعة، ويدرّس في بيئة مبدعة ومناهج مبدعة، فقد أصبح الابتكار عملتنا في دولة الإمارات..
كما أن الابتكار يتنوع ويتسع بتنوع واتساع النشاط الإنساني ونشاط الأعمال، فأينما توجد مشكلة يظهر النزوع للإتيان بالابتكار من أجل حلها. ومنظومة القانون بحاجة إلى تدخل بشري يجب أن يتسم بالطابع الإبداعي. إن المواطن يستحق كل الدعم والاستثمار حتى يصل إلى درجة التمكّن، وهذا واجب أخلاقي ومهني ووطني في الوقت ذاته، كما أن البحث عن المتميزين المبدعين وحقنهم في المجال القانوني، من المهام التي يجب أن ينتبه لها الجميع..
ويجب أن يبدأ من مراحل متقدمة في المدرسة. ففي دولة كهولندا يتم تحديد المسارات المهنية في سن الثانية عشرة، ومن ضمن تلك المسارات القانون، فالقانون في الدول المتقدمة يصنف في قمة هرم التخصصات وليس في قاعدته. وعندما نصل إلى ذلك التفكير وما يتبعه من اعتماد كافة الاستراتيجيات التعليمية والأكاديمية، سيكون لدينا قانونيون نشير إليهم بالبنان.