حتى أمد قريب، كانت القضية الفلسطينية هي الوحيدة التي تستحوذ على اهتمامات القوى المحلية والإقليمية والدولية. حديثاً، برزت إلى السطح قضايا عربية لا تقل قلقاً وإثارة وحساسية لدى القوى العربية والعالمية. القضايا العربية لا تنفك تزداد عدداً وتفاقماً وشراسة، يوماً إثر يوم.
بالذات والتسمية، هنالك القضايا العراقية والتونسية واليمنية والمصرية والليبية والسورية، والبقية تتبع حسب المعطيات والوقائع والحاجة إليها دولياً! تكاد لا توجد دولة عربية واحدة غير مرشحة للدخول في «نادي» القضايا العربية المستجدة، بعد اضمحلال ظلال القضية الفلسطينية من لائحة أولويات القضايا العربية والدولية.
في كل القضايا السابقة ثبت عقم الحلول العسكرية، التي تعتمد القوة والعنف والإرهاب لحسم الموازين لصالح فئة ضد أخرى. سنين مرت على القضيتين العراقية والسورية والحوادث تراوح مكانها، من حيث العنف والفظائع والجرائم ضد الإنسانية.
الأمر ذاته ينسحب على القضايا الليبية واليمنية، وبدرجة أقل التونسية والمصرية، لكن منسوب الدماء المسالة لم يرق لمستوى نظيريه من الدم العراقي والسوري. منذ البداية كانت الحاجة ماسةً لإيجاد واتباع حلول سياسية ترضي، ولو بالحد الأدنى، كافة الأطراف المتخاصمة والمتنافسة على كرسي السلطة.
لا تزال الحاجة ماسة لبدء حوار مصالحة وطنية شاملة وحقيقية، فيها يتنازل كل طرف عن بعض طموحاته الجامحة في السيطرة المطلقة على شؤون الآخرين. الحوار عادة ما يكون بين الخصوم والأعداء والمتنافسين، لا بين الأصدقاء والأحبة والإخوة في الطائفة أو العرق، أو الرفاق في الحزب السياسي.
حتى إذا ما فشل حوار بين طرفين متخاصمين تصبح هنالك إمكانية لطلب تدخل من جهات إقليمية أو دولية، للسرعة في حسم المواقف من أجل الصالح الوطني العام. شعوب العالم عموماً والعالم الثالث خصوصاً، والعالم العربي بشكل أكثر خصوصية، معروفة بضحالة التقدم نحو حلول وسط.
بسبب الوصول إلى طرق مسدودة، عادةً ما تفضي الأمور إلى العنف وفتح الشهية أمام الحسم العسكري. ها قد جرب العرب الحسم العسكري، وخسروا حتى الآن مئات الآلاف من الضحايا، ما بين قتيل وجريح ومنكوب.
هذا إلى جانب تريليونات الدولارات من الخسائر الاقتصادية والعسكرية، واكفهرار المستقبل أمام أجيال عريضة قادمة من الشعوب العربية. بات الوضع أكثر إلحاحاً لبدء الولوج في حلول سلمية سياسية، لا بد أن تأتي أُكلها.
على الأقل لن تكون مدمِّرةً بشكل كامل شامل، كما هي حال الحلول العسكرية والعنف المتبادل، أو الإرهاب المتبادل بالأحرى. على المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية المحبة للسلام والأمن والأمان، أن تلعب دوراً مميزاً، إذا ما أرادت منع سفك المزيد من الدماء والثروات المستنزفة، بهذا الشكل أو ذاك.
تلعب مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية المعتدلة دوراً أساسياً مهماً، تساندها في ذلك المؤسسات الإقليمية، مثل الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ودول عدم الانحياز. ثم يأتي دور المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمؤسسات التابعة للدول الكبرى ذات الهيمنة على القرار الإقليمي والدولي.
غير معقول أن يظل العرب يُتركون فرائس سهلة لوسائل الإعلام «الخرقاء»، يقتل بعضهم بعضاً على شكل إبادة لا يراعون فيها إلّاً ولا ذمة. مرة أخرى، إذا ما تُركت الجموع العربية وشأنها، فإن نيران الطائفية والحقد والكراهية ستأتي على كل الأخضر واليابس. لن تبقى في بيوت الناس لقمة عيش، لا للأطفال ولا للشيوخ ولا للنساء.
حتى الآن لا يتمكن القوم من إيجاد صيغة للتفاهم والمصارحة والتعايش، بغضّ النظر عن مصالح الطائفة أو العرق أو الميول الفكرية والسياسية والعقائدية. حتى الآن، لم يزل كل فريق يعتقد ويصر على أنه هو الأصلح للحكم في الحياة الدنيا، وفي الآخرة، فإن له حسن عقبى الدار!