ربما لم تعش فرنسا بمسلسل الرعب لمدى ثلاثة أيام متواصلة مثلما عاشت الأسبوع الماضي. الحادثة هزت الشعب الفرنسي بكل فئاته، وأثارت قلقاً في العالم من تنامي الإرهاب وتمدده في كل مكان.
وربما التظاهرة الأحد الماضي التي جمعت زعماء العالم والحشود الهائلة في فرنسا كانت واحدة من اللحظات النادرة لوقفة عالمية تضامنية من شعوب وزعماء العالم ضد الإرهاب.
و هذه المرة الجدل لم يكن مبرره الفعل الإرهابي ذاته فقط، بل أيضاً اختياره لصحيفة وقتل صحافيين أضاف بعداً آخر للعمل الإرهابي وهو محاربته لحرية التعبير التي هي جزء من هوية الدولة الفرنسية.
من الصعب أن نضع الغرب في سلة واحدة فالغرب من الداخل ليس هو ذاك النسيج المتشابه، بل تختلف شعوبه ودوله، وإن كانت المساحات قريبة، فنحن نتذكر حينما كشفت مجلة كلوزر الفرنسية علاقة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بممثلة فرنسية رغم أنه كان يعيش مع صديقته الصحافية فاليري تريرفيلر، فقد أثارت ضجة ولكن تعامل معها الفرنسيون ببرود.
فمن من رؤساء فرنسا لم يكن له باع في عالم النساء حتى إن هناك مقولة يرددها الفرنسيون (أن تخون زوجتك لا يعنى أنك ستخون وطنك)، بينما لو حصلت هذه القصة في بريطانيا وهي التي تبعد أميالاً بسيطة عن فرنسا فمن المؤكد أن الرئيس سيغادر منصبه، وسيتفاعل معها الشعب البريطاني بطريقة مغايرة لأسلوب الشعب الفرنسي.
فهم الثقافة جزء من التعامل مع الشعوب، فما كان يجهله الشقيقيان الجزائريان الأصل شريف وسعيد كواشي اللذان قتلا عشرة صحافيين وشرطيين في هجومهم على جريدة شارلي إبدو هو الثقافة، كونهم يتكلمون الفرنسية وعاشوا في فرنسا لكنهم أبداً لم يكونوا فرنسيين، رغم جنسيتهم الفرنسية.
القضية ليس هوية تحملها، بل فهم واندماج في المجتمع لتكون جزءاً من فكر وثقافة المجتمع أو على الأقل تتقن احترام ثقافة الاختلاف.
الإرهاب يسوغ لثقافة القتل ويبرر لها، ففي الأسبوع نفسه يقتل مئات من الضحايا في نيجيريا باسم الإسلام تقوم بها جماعة بوكو حرام، وفي اليمن عشرات القتلى لطلبة كلية عسكرية وباسم الدين. ويأتي هذا بعد أيام من قتل عسكريين سعوديين على نقطة حدودية وأيضاً باسم الدين.
هذا الفكر الدموي بغض النظر عن المسميات القاعدة أو داعش أو بوكو حرام أو شباب في الصومال فالنتيجة واحدة.
المشكلة هي إذاً فكرية وليس فقط أمنية، وهناك كثير من الأسباب التي تؤدي إلى ظاهرة الإرهاب، وناقشها كثيرون، وليس هذا موضوعنا، ولكن حينما ينجح الغسيل الفكري حتى للشباب الذين يعيشون في مجتمعات منفتحة، وربما الجيل الثاني من المهاجرين فهذا يتطلب تحليلاً عميقاً لهذه الظاهرة، فمن فرنسا وحدها أكثر من ألف شاب وشابة انضموا إلى داعش.
فرنسا تعيش أجواء شبيهة بما حدث في أميركا في 11سبتمبر 2011. وسيدفع ثمن هذا العمل الإرهابي المسلمون الذين يعيشون هناك أو يرغبون في الهجرة إلى هناك. وربما من المصادفة أنه في يوم الأربعاء نشر الكاتب الفرنسي مايكل هيولبيرج روايته (سيمبشن) أي الخضوع وهي تتحدث عن فرنسا في عام 2022 أنها ستكون جمهورية إسلامية وسيرأسها رئيس مسلم.
وفي اليوم نفسه كان الهجوم الإرهابي على جريدة شارلي إبدو، حتى إن الكاتب اختفى في مكان سري، وتم تعزيز الحراسة على دار النشر التي أصدرت الكتاب. في هذه الأجواء يواجه المسلمون هناك ضريبة ليس لهم ذنب فيها عدا أن هؤلاء الإرهابيين يستخدمون الدين في أعمالهم الإرهابية.
الإسلاموفوبيا ظاهرة موجودة ومن يعززها هم المتطرفون من الجانبين، سواء المسلمين أو بالأصح الذين يدعون الإسلام ويقتلون ويفجرون ويرددون في الوقت نفسه الله أكبر وهم أبعد شيء عن الإسلام.
وكذلك المتطرفون في الأحزاب اليمينية في الغرب التي تتنامى شعبيتها وبالتأكيد أحداث فرنسا ستعزز من جماهيرية الأحزاب اليمينية الحاقدة على كل الأجانب الذين يعيشون على أراضيها، التي ستستخدم هذه الأحداث الإرهابية فزاعة لكسب أصوات الناخبين.
القلق يتنامى في أوروبا من تزايد المتطرفين من المهاجرين داخل بلدانهم، كما أن هناك جماعات بدأت تحذر علينا من أسلمة أوروبا وقد كانت هناك تظاهرات في مدن ألمانية بناء على دعوة جماعة (الوطنيين الأوروبيين ضد أسلمة أوروبا) وتعرف اختصاراً باسم (بيغيدا)، ورغم أن المسؤولين يعارضون مثل هذه الدعوات والتظاهرات، بل قامت أيضاً تظاهرات شعبية ضد هذه الجماعة، حتى إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قالت، إن منظمي هذه التظاهرات قلوبهم ملئية بالحقد.
هذه التصريحات من المسؤولين والنسبة الكبيرة من الشعوب التي تقف ضد الخلط بين الإسلام والإرهاب وتعترض على عقاب المسلمين الجماعي لديهم نتيجة أخطاء أفراد منهم، سيواجهون صعوبة أكبر في إقناع الناس بموقفهم المعتدل، مع تزايد الأحداث الإرهابية.
وفي الوقت نفسه يستغلها اليمين المتطرف لصالحه، أي أن هؤلاء المتطرفين المسلمين يقدمون أفضل هدية للمتطرفين الغربيين. فعلاً التطرف داء خبيث مهما كان تياره يتلاقى صديده في جوف واحد.