دخل اليمن في مرحلة خطيرة جداً ليست فقط على اليمن بل أيضاً على دول منطقة الخليج العربي، حيث تمكنت جماعة الحوثيين من السيطرة على مفاصل الدولة في اليمن وفرضت سيطرتها على مناطق هامة فيه باستخدام القوة العسكرية.

وبينما دول الخليج العربي منشغلة في أمور بعيدة عن اليمن تحركت قوى الحوثيين للانقلاب على الشرعية ـ التي ساهمت هذه الدول في خلقها ـ وعزل الرئيس وحل البرلمان وفرض الأمر الواقع على اليمن المنهك بالمشاكل من كل صوب وحدب. فتحرك الآخرون لتحقيق مكاسب لهم في اليمن في الوقت الذي غاب فيه الخليجيون، إنها المعادلة الصفرية في العلاقات الدولية.

فبعد أن كانت دول الخليج العربي حاضرة في اليمن من خلال المبادرة الخليجية لمعالجة الوضع في اليمن خرجت من الواقع السياسي اليمني تاركة اليمن في يد مستشار الأمين العام للأمم المتحدة حول اليمن الذي كان همه التوصل إلى اتفاق مهما كان شكله وبغض النظر عن تبعاته على دول الخليج العربي.

وانشغلت دول الخليج في مشاكلها البينية، وانشغل بعضها في ترتيب بيته الداخلي، الأمر الذي جعل ملفاً هاماً بحجم الملف اليمني يتراجع من خارطة الأولويات لدى تلك الدول الخليجية ولاسيما تلك المحورية والمتضررة مباشرة مما يجري في اليمن، حيث إنها تشترك معها في حدود مباشرة.

السعودية وعمان بلدان لهما أكبر المصلحة في استقرار اليمن. وقد تضررت السعودية من الأعمال الإرهابية التي تأتيها عبر حدودها مع اليمن، بل ودخلت الرياض في مواجهات عسكرية مع جماعة الحوثيين أثبتت شراسة وقوة الخصم.

أما عن ُعمان فلا ننسى أن أخطر التهديدات للداخل العماني كانت قد جاءتها من اليمن حيث الفكر اليساري الماركسي الذي كان يسعى لتغيير النظم السياسية في المنطقة الخليجية. مع ذلك كله تُرك اليمن وحيداً ليواجه مصيره.

ما يدور في اليمن اليوم مُضر بشكل مباشر بأمن دول جواره الخليجي. فهناك خطران هامان ذا ضرر مباشر على أمن المنطقة هما الحوثيون والقاعدة. فإشكالية دول الخليج مع الحوثيين هي في ارتباط الأخير بأجندة دولة إقليمية كبيرة تسعى لفرض هيمنتها وسيطرتها على دول الخليج العربي عبر القوة والتهديد وإثارة الطائفية وزعزعة الأمن.

فالدعم الكبير الذي يأتي للحوثيين يصب في صالح تلك الاستراتيجية المضرة بأمن واستقرار دول المنطقة. الدول الخليجية تعيش حالة غليان طائفي مؤجج من الخارج في داخل الإقليم الخليجي، وعليه فإن هذا التأجيج الطائفي سيحتدم وبشكل أكبر خطورة مع سيطرة الحوثيين على اليمن ويصبح شمال اليمن بالذات بمثابة جنوب لبنان بخطورته على أمن دول عديدة.

أما عن الخطر الآخر والذي لا يقل شراسة عن الخطر الأول فهو خطر تنظيم القاعدة الذي غدا يسيطر على مناطق شاسعة من اليمن ويفرض نفوذه عليها بشكل كامل. ولعل المجتمع الدولي يُدرك اليوم بأن مركز ثقل القاعدة وخطورته قد انتقل من أفغانستان وباكستان إلى اليمن، حيث إنه أصبح أكثر قوة وشراسة وقادرا على أن يستمر في عملياته ضد أهدافه التي يسعى لها..

والتي كان من ضمنها التحرك الأخير في فرنسا ضد الصحيفة الفرنسية. ولعل خطر القاعدة سيتنامى بشكل أكبر مع سيطرة الحوثيين وتراجع التعاون الأمني الأمريكي مع الحكومة اليمينة لمواجهة عناصر القاعدة في اليمن. فغياب الغطاء الجوي للطائرات الأمريكية من قبل الجيش اليمني سيشكل تراجعاً واضحاً يصب لصالح القاعدة.

اليمن اليوم ما عاد يمثل تحدياً لدول الخليج كما كان في السابق بل إنه أصبح اليوم خطراً مباشراً عليها، حيث إن أضلع الخطورة واضحة وتهديداتها جدية.

لذلك فإن استراتيجية التعامل المنقسم القديمة التي تعتمد عليها دول الخليج العربي مع الملف الإيراني والمتمثلة في ترك الملف لدولة معينة للتعامل معه بدون إشراك الجميع فيه ما عادت هي الاستراتيجية المثلى، لأنها وبكل بساطة تتأثر بتغيرات داخلية في مثل تلك الدول وبذلك يصبح الخطر على الدول الأخرى حاضرا.

دول الخليج بحاجة إلى أن تتكامل في التعامل مع الملف اليمني، لأن اليمن مقبل على مرحلة خطرة للغاية تتمثل في أحد السيناريوهات التالية: سيطرة الحوثيين، حرب أهلية، أو تفكك اليمن. فالسؤال هل وضعت دول الخليج العربي مجتمعة لنفسها استراتيجية للتعامل مع تلك السيناريوهات عندما تحدث لاسيما وأن جميع تلك السيناريوهات لها تبعات مباشرة على أمن المنطقة؟! نأمل أن يكون ذلك موجود، رغم شكنا في ذلك.